واقع القطاع الزراعي السعودي و أبرز المحاصيل الزراعية التي تشتهر بها المملكة
الزراعة في المملكة العربية السعودية تمثل إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني، حيث ساهمت بشكل كبير في تحقيق الاكتفاء الذاتي لبعض المحاصيل الغذائية، كما تشهد الزراعة في المملكة تحولاً تدريجياً نحو استخدام تقنيات حديثة تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على الموارد الطبيعية. في عام 1438-1439هـ (2017م)، بلغت المساحة المزروعة في السعودية ما يقارب المليون هكتار، مع تركيز كبير على مناطق مثل الرياض، القصيم، حائل والجوف، رغم أن النشاط الزراعي موجود في مختلف أنحاء المملكة.
الاعتماد على المياه الجوفية
تواجه السعودية تحديات كبيرة في قطاع الزراعة بسبب ندرة الموارد المائية، لذا فإن الزراعة تعتمد بشكل رئيسي على المياه الجوفية. وبسبب هذا الاعتماد، وضعت الحكومة السعودية استراتيجيات تهدف إلى تقليل الاعتماد على هذه المصادر غير المتجددة. في عام 2017م، بلغ استخدام المياه الجوفية 19 مليار متر مكعب، وتعمل الحكومة حالياً على تخفيض هذا الرقم إلى 6.2 مليارات متر مكعب بحلول عام 2030. من بين المبادرات التي تم اعتمادها لتحقيق هذا الهدف: حصاد مياه الأمطار وإعادة استخدام مياه الصرف المعالجة.
تاريخ الزراعة في السعودية
الزراعة في السعودية تعود إلى العصور القديمة، حيث كان الإنسان يعتمد على الوسائل التقليدية لزراعة الأرض. كان المزارعون يستخدمون المحراث اليدوي وتستخرج المياه من الآبار لري المحاصيل. بالإضافة إلى ذلك، كان المزارعون يعتمدون على النجوم لمعرفة مواسم الزراعة، حيث يبدأون بحرث الأرض بعد تقويتها بالسماد الطبيعي أو الصناعي، ويستعينون بأدوات بسيطة مثل المخرش والمجنب والمسحاة.
عملية تسوية الأرض بعد الزراعة كانت تتم بواسطة المدسم، وهي خشبة عريضة تجرها الثيران أو الجمال، مما يسهم في تغطية البذور وتسوية الأرض بشكل فعال.
الزراعة الحديثة في السعودية
شهد قطاع الزراعة في السعودية تحولات كبيرة مع مرور الوقت، حيث تمت عمليات استصلاح الأراضي وتطوير تقنيات الري والزراعة لتواكب التطورات العالمية. هذا التطور تزامن مع مبادرات حكومية لدعم المزارعين، من خلال تقديم القروض وتطبيق برامج رؤية السعودية 2030 التي تشمل استراتيجيات شاملة للتنمية الزراعية مثل الاستراتيجية الوطنية للبيئة والمياه والأمن الغذائي.
من أبرز هذه البرامج: برنامج الإعانات الزراعية الذي يهدف إلى إعادة توجيه الدعم الحكومي لمستحقيه، بالإضافة إلى برنامج "ريف" الذي يدعم التنمية الزراعية الريفية المستدامة.
مواسم الزراعة في السعودية
وفقاً لمنهجية التعداد الزراعي، تقسم الزراعة في السعودية إلى موسمين رئيسين:
- الموسم الشتوي: تبدأ زراعة المحاصيل الشتوية في نوفمبر وديسمبر، وتستمر حتى مارس من كل عام. من أبرز المحاصيل الشتوية: البصل، الثوم، الجزر، البازلاء، والقرنبيط.
- الموسم الصيفي: تبدأ زراعة المحاصيل الصيفية في مارس وأبريل ومايو، ويتم حصادها في أغسطس وسبتمبر. تشمل المحاصيل الصيفية البطيخ، الشمام، الطماطم، الخيار، والباذنجان.
الزراعة في مناطق مختلفة من المملكة
الرياض
تعد منطقة الرياض من أكبر المناطق الزراعية في المملكة، حيث تمتاز بمساحات زراعية واسعة، تزرع فيها أنواع متعددة من المحاصيل مثل الشعير والطماطم. في عام 2019م، كانت الرياض تمتلك 65% من المساحات المزروعة بالطماطم الصيفية، وتتميز أيضاً باستخدام تقنيات الزراعة في البيوت المحمية، مما ساهم في زيادة الإنتاجية وتحسين جودة المحاصيل.
الأحساء
واحة الأحساء، الواقعة شرق السعودية، تعد من أهم المناطق الزراعية في المملكة. تحتضن الواحة أكثر من مليوني نخلة وتنتج نحو 100 ألف طن من التمور سنوياً، ما جعل المملكة تتصدر الدول المصدرة للتمور عالمياً. إضافة إلى ذلك، تحقق محافظة الأحساء إنتاج كبير من الحبوب والخضروات والألبان والدواجن، مما ساهم في رفع نسبة الاكتفاء الذاتي من هذه المنتجات.
تبوك
تعد منطقة تبوك مركز زراعي مهم في المملكة، حيث تحتضن أكثر من 14,500 مزرعة. تبوك مشهورة بإنتاج العنب والتين واللوز، بالإضافة إلى زراعة الزيتون والمانجو. كما تتميز المنطقة بزراعة أصناف متنوعة من الرمان، وتضم جبال اللوز التي تعد موطن اللوز البري الذي يستخدم في المستحضرات الطبية والتجميلية.
جازان
تتميز جازان بتنوع أراضيها الزراعية، حيث تحتضن مناطق طينية بجانب الأودية وأخرى صفراء غنية بالموارد الزراعية. تعتبر جازان رائدة في إنتاج الفواكه الاستوائية مثل المانجو والتين والموز والبابايا، حيث تنتج المنطقة نحو 107 آلاف طن بشكل سنوي من هذه الفواكه. كما تضم المنطقة مزارع للأسماك وتنتج كميات كبيرة من الذرة بأنواعها المتعددة، مثل الذرة البيضاء والصفراء.
القصيم
منطقة القصيم تعتبر من أهم المناطق الزراعية في المملكة، حيث تمتاز بخصوبة التربة والمناخ الملائم لزراعة أنواع متعددة من الفواكه والمحاصيل. في عام 2021م، بلغ إنتاج الفواكه في القصيم نحو 109,858 طن. المنطقة أيضاً معروفة بزراعة التمور، والطماطم، والخيار، والبقدونس، حيث تستخدم تقنيات الزراعة الحديثة مثل البيوت المحمية لزيادة الإنتاجية.
حائل
تشتهر منطقة حائل بمناخها الجاف والبارد في الشتاء، مما يجعلها مناسبة لزراعة العديد من المحاصيل الزراعية. حائل تعتبر من المناطق الرائدة في زراعة الشعير، حيث تغطي 21.2% من المساحات المزروعة بالشعير في المملكة. المنطقة معروفة أيضاً بزراعة محاصيل أخرى مثل القمح والخضروات، وتستفيد من دعم الحكومة لتطوير قطاع الزراعة.
التطورات المستقبلية في الزراعة السعودية
تسعى السعودية من خلال رؤية 2030 إلى تعزيز دور القطاع الزراعي في الاقتصاد الوطني من خلال تحسين الإنتاجية والاستدامة. تهدف الخطط الحالية إلى تطوير تقنيات الري والزراعة الحديثة، والحد من استهلاك المياه الجوفية، وتعزيز استخدام المياه المتجددة مثل حصاد مياه الأمطار وإعادة استخدام مياه الصرف المعالجة.
من خلال استراتيجياتها الطموحة، تطمح المملكة إلى تعزيز الأمن الغذائي وزيادة الإنتاج المحلي من المحاصيل الحيوية، كما تستمر في تقديم الدعم للمزارعين من خلال برامج مثل "ريف" وبرنامج الإعانات الزراعية، مما يسهم في تحسين كفاءة الإنتاج ورفع مستوى الاكتفاء الذاتي.
تشهد الزراعة في السعودية تحولات كبيرة نحو تحقيق الاستدامة وزيادة الإنتاجية باستخدام التقنيات الحديثة. بالرغم من التحديات البيئية مثل ندرة المياه، تسعى المملكة إلى الحفاظ على مواردها الطبيعية وتطوير قطاع الزراعة ليصبح جزء أساسي من رؤية السعودية 2030.