البحر الأحمر: استكشاف أعماق السعودية البكر
يُعد أرخبيل البحر الأحمر في السعودية أحد آخر الجبهات الكبرى لعشّاق الغوص، حيث يحتضن عالم بحري فريد يتميز بتنوع بيولوجي مذهل، تجد فيه أجمل أنواع الشعاب المرجانية ومياه بقيت لفترة طويلة بعيدة عن السياحة العالمية حيث أنّه على عكس مناطق الغوص المعروفة في البحر الأحمر الأردني والمصري، لا تزال السواحل السعودية تمتد كبقعة طبيعية خام، تحرسها سياسات حماية صارمة ورؤية تضع التوازن البيئي في صميم التنمية.
يمتد البحر الأحمر على طول الساحل الغربي للمملكة، ويضم بعض من أكثر نُظم الشعاب المرجانية مقاومة في العالم. ففي حين تتعرض بعض الشعاب مثل الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا لظواهر التبييض، تكيّفت الشعاب المرجانية في السعودية مع الظروف المناخية القاسية، وهذا جعلها محط اهتمام العلماء، خاصة في سياق التغير المناخي. وتضم هذه المياه أكثر من 1200 نوع من الأسماك، 10% منها لا توجد في أي مكان آخر على وجه الأرض، إلى جانب السلاحف البحرية، وأسماك الراي، وحيوان الأطوم البحري النادر.
لكن ما يميز تجربة الغوص في هذه المنطقة غير الحياة البحرية، هو الهدوء العميق الذي يغمر المكان. هناك سكون مهيب تحت السطح، إحساس بالدخول إلى عالم لم تطله يد السياحة الجماعية بعد. وهذا ما تسعى شركة ريد سي غلوبال، المطوّر لمشروعي "البحر الأحمر" و"أمالا"، للحفاظ عليه، حيث تسعى للحفاظ على نظام بيئي تقوده الطبيعة. فبدل من بناء مراكز غوص تجارية ضخمة، تعتمد الشركة نهج الوصول المدروس وحصر أعداد الزوار، إضافة إلى إنشاء بُنى تحتية منخفضة التأثير البيئي، وضمان انسجام كل جانب من جوانب تجربة الزائر مع صحة البيئة على المدى الطويل.
تم تُصميم المنتجعات لتكون محايدة كربونياً، ومتجددة الأثر، من خلال إدارة مستدامة للمياه واستخدام الطاقة المتجددة، وتطبيق ممارسات غوص صديقة للشعاب المرجانية.
والنتيجة هي سلسلة من الملاذات التي تندمج بانسجام تام مع الطبيعة المحيطة. إليكم بعضاً من أفضل مواقع وتجارب الغوص في البحر الأحمر السعودي.
أفضل مواقع الغوص في البحر الأحمر: ملاذات وتجارب فريدة
جزيرة شيبارة
رمز للتصميم المستقبلي المستدام، يعد "منتجع شيبارا" في جزيرة شيبارة واحد من أكثر الوجهات تميّز في البحر الأحمر. يضم المنتجع 73 فيلا كروية الشكل مبنية فوق الماء على بعد 30 متر فقط من الشعاب المرجانية، ويُدار بالكامل بالطاقة الشمسية من مزرعة طاقة في الموقع، وهذا يجعله بوابة مثالية لاستكشاف تنوع الشعاب المرجانية في المنطقة.
يُتيح الموقع لعشاق الغوص فرصة استكشاف حدائق مرجانية ضحلة ومواقع أعمق تعجّ بالكائنات البحرية المتنوعة، من أسراب سمك الباراكودا إلى قرش الحوت الذي يظهر أحياناً. وقد ازدهرت الشعاب هنا في عزلة طبيعية، مكوِّنة تشكيلات مرجانية معقدة تعجّ بالحياة الدقيقة، لذا تعتبر مناسبة للمبتدئين والمحترفين على حد سواء.
واحدة من أبرز ميزات الغوص في شيبارة هي نقاء المياه الاستثنائي. فالرؤية قد تتجاوز 30 متراً، وهذا يمنح الغواصين شعور حقيقي بالاندماج الكامل في هذا العالم الخفي، عند استكشاف الممرات المرجانية المتشابكة أو الغوص إلى أعماق تظهر فيها كائنات بحرية نادرة تنساب مع التيارات. وفي الليل، تضيف الكائنات المتوهجة حيوياً (البيولومينسنت) لمسة سحرية على المشهد، فتبدو الأعماق كأنها عالم من الأحلام.
خليج تريبل – أمالا
"أمالا" هو مشروع آخر من مشاريع "ريد سي غلوبال" يُجسد مفهوم التنمية المتجددة، ويضم 29 فندق قيد التطوير على امتداد 68 كم من الساحل البكر، مع التزام بتحقيق فائدة بيئية صافية تبلغ 30%. ويُعد "خليج تريبل" أحد أبرز مواقع مشروع أمالا، ووجهة غوص مميزة خاصة لمحبي الحفاظ على البيئة.
يوفر الخليج بيئات بحرية متنوعة، مثل حدائق الشعاب المرجانية الملونة إلى أخاديد مائية عميقة يمكن رؤية فيها أسماك الراي العقابية وأسماك القرش المطرقة.
ما يميز "أمالا" بشكل خاص هو تركيزه على البحث العلمي وحماية البيئة البحرية، حيث يقدّم برامج لزراعة المرجان، ودراسات ميدانية موجهة للتنوع البيولوجي، ومشاريع للرصد البيئي. وسيكون "خليج تريبل" مقراً لمعهد "كولاريوم" لحياة المحيطات، وهو مركز أبحاث متقدم، بالإضافة إلى مركز "جالاكسا" للغوص الذي سيغطي جميع مناطق أمالا والبحر الأحمر ومن المتوقع أن تبدأ أمالا في استقبال زوارها خلال هذا العام.
جزيرة شورى
تُعد جزيرة شورى، التي تتخذ شكل طبيعي يشبه الدولفين، القلب النابض لمشروع البحر الأحمر. وكجميع مبادرات "ريد سي غلوبال"، تُبنى شورى على أساس الحفاظ البيئي والتصميم الحيوي الذي ينسجم مع الطبيعة. وتُعد الجزيرة من أغنى البيئات تحت الماء في البحر الأحمر، بشعابها المرجانية الكثيفة ومناظرها المائية الخلابة. وهي مثالية لمحبي الاستكشاف في الأعماق أو في المياه الضحلة، حيث يمكن للغواصين التنقل بين حدائق المرجان، واستكشاف حطام سفن غارقة لم تُدرج بعد على خرائط الغوص العالمية، وملاقاة أنواع بحرية نادرة مثل سلاحف "هوكسبيل" المهددة بالانقراض وأسماك "المانتا راي" التي تظهر أحياناً.
ما يميز شورى هو الحفاظ على البيئة. فهذه الجزيرة الذهبية الخلّابة تستعد لاستقبال 11 منتجع فاخر خلال عام 2025، منها "فور سيزونز البحر الأحمر" و"إس إل إس ريد سي ريزيدنسز". وبعد صباح من الغوص بين الشعاب، يمكن للضيوف الاسترخاء في نوادٍ شاطئية خاصة أو منتجعات صحية عالمية، وهم على يقين بأن تجربتهم لم تُحدث أثر سلبي بل ساهمت في تعزيز التوازن البيئي.
مستقبل البحر الأحمر
مع افتتاح مطار البحر الأحمر الدولي، الذي يوفر وصول مباشر إلى بعض من أروع البيئات البحرية في المنطقة، ترسم السعودية ملامح تجربة غوص جديدة تتسم بالمسؤولية والتميّز. إلا أن هذه الرؤية تتجاوز السياحة بحد ذاتها لتصبح محاولة لوضع نموذج عالمي لاستكشاف بحري مستدام.
من إنشاء مراكز أبحاث بحرية رائدة مثل "معهد كولاريوم لحياة المحيطات"، إلى تطبيق قيود صارمة على أعداد الزوار لحماية النظم البيئية الهشة، يُعد البحر الأحمر السعودي مثال يُحتذى به في التوازن بين الحماية البيئية وتوفير التجربة الفريدة. فكل ما يتم إنشاؤه في البحر الأحمر هو مساهمة واعية في حماية واحدة من آخر الجبهات البحرية البكر في العالم.