الثروة الحيوانية في السعودية وتقنيات الرعاية الحديثة

 

لطالما ارتبطت حياة الإنسان في الجزيرة العربية منذ القدم بالثروة الحيوانية، في غذائه ولبسه أو تجارته. وفي المملكة العربية السعودية بالتحديد ما تزال الثروة الحيوانية تمثل قطاع حيوي، بوصفه موروث ثقافي واجتماعي، وجزء أساسي من الأمن الغذائي الوطني والاقتصاد الزراعي.
ورغم التحديات البيئية من ندرة المياه وقلة المراعي، استطاعت المملكة في السنوات الأخيرة إحداث قفزة نوعية في تطوير هذا القطاع من خلال الاستثمار في التقنيات الحديثة.

 

 

نظرة على واقع الثروة الحيوانية في السعودية

تتنوع الثروة الحيوانية في السعودية بين الأغنام والإبل والماعز والأبقار والدواجن، وتشكل مصدر دخل أساسي لآلاف المربين في مختلف المناطق. وتشتهر السعودية بسلالات معينة لها سمات خاصة، منها:

  • الأغنام النعيمي: وهي الأغنام الأكثر انتشار، وتتميز بجودة لحومها وملاءمتها للبيئة الصحراوية.
  • الإبل المجاهيم والصفر: للإبل مكانة خاصة ثقافي واقتصادي، إذ تُستخدم للحليب واللحم والمشاركة في المهرجانات والمسابقات.
  • الماعز العارضي: وهي من السلالات المعروفة في وسط المملكة وتتميز بتحملها للظروف القاسية.
  • الأبقار الهولشتاين: وتربى في مزارع متطورة لإنتاج الحليب، وقد شهد قطاع الألبان السعودي نموًا ضخمًا حتى أصبح من الأكبر في الشرق الأوسط.

أما قطاع الدواجن فقد حقق معدلات اكتفاء ذاتي تجاوزت 80% في بعض المنتجات، لا سيما لحوم الدجاج وبيض المائدة، بفضل الاستثمارات الكبيرة التي ضُخت فيه.

 

التقنيات الحديثة في رعاية الثروة الحيوانية

أولاً: التتبع الذكي للحيوانات

من أبرز التقنيات التي دخلت بقوة إلى قطاع الثروة الحيوانية السعودي هي تقنية RFID أو الشرائح الإلكترونية.
يتم تركيب رقاقات صغيرة تحت جلد الحيوان تحتوي على رقم تعريفي فريد، يتيح تتبع حالته الصحية ومكانه ونشاطه، ويُسجل بيانات الوزن، النمو، واللقاحات التي تلقاها.

تساعد هذه التقنية في:

  • الحد من فقدان الحيوانات أو سرقتها.
  • مراقبة صحة القطيع بشكل لحظي.
  • تحسين خطط التغذية والتربية.

ثانياً: التغذية المحسوبة رقمي

تم إدخال أنظمة تغذية ذكية تعتمد على حساب كميات العلف بدقة لكل حيوان بناءً على وزنه واحتياجاته الصحية.
هذه الأنظمة تساعد في:

  • تقليل هدر الأعلاف.
  • رفع كفاءة التحويل الغذائي (أي كمية اللحم أو الحليب التي ينتجها الحيوان مقابل كمية العلف).
  • تحسين جودة اللحوم والألبان.

ثالثاً: العيادات البيطرية المتنقلة

للوصول إلى المربين في المناطق البعيدة، أطلقت وزارة البيئة والمياه والزراعة مبادرات العيادات البيطرية المتنقلة.
تزور هذه العيادات القرى والمزارع لتقديم:

  • الفحص الطبي للحيوانات.
  • التطعيمات الدورية.
  • معالجة الأمراض الطارئة.
  • التوعية والإرشاد للمربين.

رابعاً: التلقيح الصناعي وتحسين السلالات

تسعى المملكة لتحسين سلالات المواشي عبر برامج التلقيح الصناعي، خاصة للأبقار والأغنام.
الهدف من ذلك هو:

  • رفع جودة اللحوم والحليب.
  • تقليل الأمراض الوراثية.
  • إنتاج سلالات تتحمل الظروف الصحراوية بشكل أفضل.

خامساً: مزارع الدواجن المتطورة

قطاع الدواجن السعودي بات من الأكثر تطورًا في المنطقة. ومن التقنيات المستخدمة:

  • أنظمة تحكم آلي بدرجة الحرارة والرطوبة.
  • الإضاءة الذكية لتحفيز النمو بطريقة طبيعية.
  • مراقبة الدواجن عبر كاميرات الذكاء الاصطناعي لرصد أي علامات مرضية.
  • خطوط إنتاج غذائية متكاملة من الفقس حتى الذبح وفق معايير الصحة العالمية.

سادساً: روبوتات الحلب وإنتاج الألبان

في مزارع الأبقار الكبيرة، يتم استخدام روبوتات الحلب الذاتي. حيث تدخل البقرة إلى مكان الحلب بمفردها، ويتعرف الروبوت عليها من خلال الشريحة الإلكترونية، ثم يقوم بعملية الحلب آلياً، مع مراقبة جودة الحليب ونظافته.
هذا يقلل من التدخل البشري، ويزيد من النظافة وجودة الإنتاج.

 

المبادرات الحكومية

تولي الحكومة السعودية اهتمام كبير بتنمية قطاع الثروة الحيوانية، ومن أهم المبادرات:

  • دعم صغار مربي الماشية: من خلال صرف إعانات مالية لتقليل تكاليف الأعلاف والرعاية.
  • إنشاء مراكز للأبحاث البيطرية: لدراسة الأمراض الحيوانية وتقديم الحلول الوقائية.
  • التحول الرقمي: من خلال منصات إلكترونية لإصدار التراخيص، وتسجيل الحيازات الحيوانية.
  • تشجيع الاستثمار: فتح المجال أمام القطاع الخاص والأجانب للاستثمار في الإنتاج الحيواني والأعلاف.

مستقبل الثروة الحيوانية في السعودية

تتجه المملكة إلى مستقبل يعتمد على:

  • الزراعة الدقيقة والذكاء الاصطناعي.
  • الطائرات المسيرة (الدرونز) لمراقبة المزارع والمراعي.
  • تقنيات البيانات الضخمة لتحليل أداء القطعان وتوقع الأمراض.
  • تقنيات الاستزراع العلفي لتحسين إنتاج الأعلاف محليًا دون هدر المياه.

 

الثروة الحيوانية في السعودية لم تعد قطاع تقليدي قائم على الأساليب القديمة فقط، بل أصبحت اليوم نموذج للتكامل بين التراث والتكنولوجيا. ومع الدعم الحكومي الكبير، والاستثمار في التقنيات الحديثة، يسير هذا القطاع نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.