شكّل طيران ناس منذ الانطلاقة في عام 2007، علامة فارقة في مجال الطيران الاقتصادي بالمملكة العربية السعودية والمنطقة العربية بأسرها. ومع مرور السنوات، لم يقتصر دوره على كونه شركة طيران منخفضة التكلفة، بل تحوّل إلى نموذج ناجح للابتكار والتوسع في صناعة الطيران، وبدء بحصد الجوائز والأرقام القياسية، ومهّد الطريق نحو مستقبل طيران أكثر كفاءة واستدامة.
في هذا المقال، نسلّط الضوء على مسيرة طيران ناس، ونستعرض أبرز محطاته، ونوضح كيف أصبح الطيران السعودي لاعب مؤثر في سماء المنطقة والعالم.
انطلاقة رائدة من قلب المملكة
أُطلق طيران ناس تحت اسم "ناس للطيران" (Nas Air) عام 2007 كأول شركة طيران منخفضة التكلفة في السعودية، ضمن استراتيجية لدعم المنافسة وتحقيق رؤية المملكة في تطوير قطاع النقل الجوي. وبعد ست سنوات، وتحديداً في نوفمبر 2013، أعادت الشركة تسمية نفسها إلى "طيران ناس" (flynas)، وبدأت ببناء هوية قوية تركز على الجمع بين الكفاءة التشغيلية والخدمة المريحة بأسعار مناسبة.
تتخذ الشركة من العاصمة الرياض مقر رئيسي لها، وتُشغِّل قواعد عمليات أخرى في جدة والدمام والمدينة المنورة، وهذا ما يتيح لها تغطية معظم مناطق المملكة بكفاءة عالية.
أسطول حديث وشبكة وجهات متنامية
يمتلك طيران ناس اليوم أسطول يضم أكثر من 60 طائرة من طرازات Airbus A320 وA320neo الحديثة، و يستعد لتوسيع أسطوله ليصل إلى 250 طائرة بحلول عام 2030. هذا النمو يأتي بالتماشي مع رؤية السعودية 2030 التي تستهدف مضاعفة عدد المسافرين الدوليين وتحويل المملكة إلى مركز لوجستي عالمي.
تشغّل الشركة أكثر من 1500 رحلة أسبوعياً، تغطي أكثر من 70 وجهة داخل وخارج السعودية في آسيا وإفريقيا، وأوروبا، والشرق الأوسط. وتشمل بعض وجهاته الشهيرة كلاً من دبي والقاهرة، وإسطنبول، وكراتشي، بالإضافة إلى وجهات موسمية للحج والعمرة.
وقد أعلنت الشركة في عام 2023 عن نقل أكثر من 11 مليون مسافر خلال العام، بزيادة قدرها 28% عن عام 2022، وهو رقم قياسي يعكس ثقة المسافرين المتزايدة.
جوائز دولية وتقديرات عالمية
النجاح المتواصل لطيران ناس تُرجم إلى سلسلة من الجوائز المرموقة. فقد حصدت الشركة لقب "أفضل شركة طيران منخفضة التكلفة في الشرق الأوسط" لثماني سنوات متتالية (من 2017 إلى 2024) ضمن تصنيفات Skytrax وWorld Travel Awards.
كما صُنّفت ضمن أفضل 5 شركات طيران منخفضة التكلفة في العالم في تصنيف Skytrax لعام 2024، متقدمة على العديد من الشركات العالمية العريقة. وهذا الاعتراف الدولي يعكس جودة الخدمة والتزام الشركة بالمعايير العالمية في تجربة السفر.
الطرح العام الأولي: خطوة تاريخية نحو التوسع
في أبريل 2024، أعلنت طيران ناس نيتها دخول سوق الأسهم السعودي (تداول) من خلال طرح عام أولي (IPO)، وهي خطوة استراتيجية تهدف إلى تمويل توسعاتها المستقبلية وتعزيز بنيتها التشغيلية.
وفي مايو 2025، تم الاكتتاب بنجاح، حيث جمعت الشركة أكثر من 1.1 مليار دولار خلال دقائق من فتح باب الاكتتاب، في سابقة تعد الأولى من نوعها لشركات الطيران الخليجية منذ عقدين. هذا النجاح المالي يعكس ثقة المستثمرين في مستقبل الشركة وربحيتها المستدامة.
التزام بالاستدامة والسياحة المستدامة
لم تقتصر إنجازات طيران ناس على الجوانب التشغيلية فقط، بل كانت أول ناقلة سعودية تنضم إلى منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة (UNWTO) في عام 2023، لتدعم مبادرات السياحة المستدامة وتعزيز الربط الجوي بين المدن السعودية والعالم.
وفي إطار الاستدامة البيئية، نجحت الشركة في تقليص انبعاثات الكربون بأكثر من 161 ألف طن خلال 18 شهراً، أي ما يعادل زراعة أكثر من 6 ملايين شجرة. ويأتي ذلك ضمن التزامها بخطة السعودية لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060.
تجربة المسافرين: بين التطلعات والتحديات
تُعرف طيران ناس بتقديم تجربة سفر مريحة واقتصادية تناسب فئات متعددة من المسافرين، للرحلات الداخلية أو الخارجية. وتوفر الشركة درجات متعددة للسفر تشمل الدرجة الاقتصادية ودرجة "ناس بلس" التي تمنح راحة إضافية.
نحو المستقبل: رؤية طموحة تتماشى مع المملكة
مع استمرار التوسع، تواصل طيران ناس تنفيذ استراتيجيتها الطموحة "رحلتك السعودية" التي تهدف إلى تعزيز الربط بين المدن السعودية والوجهات العالمية، ودعم جهود المملكة في استقطاب السياح والمعتمرين، وزيادة مساهمة قطاع الطيران في الناتج المحلي.
ويبدو أن الشركة في طريقها لتكون واحدة من أهم شركات الطيران في المنطقة، ليس فقط على مستوى الطيران منخفض التكلفة، بل من حيث التأثير في بنية السفر الجوي السعودي ككل.
من شركة ناشئة إلى عملاق إقليمي في الطيران الاقتصادي، أثبتت طيران ناس أن الابتكار والكفاءة يمكن أن يصنعا فارق حقيقي في واحدة من أكثر الصناعات تنافسية في العالم. واليوم، ومع دخولها عالم الطروحات المالية وتوسعها إلى وجهات جديدة، تكتب طيران ناس فصل جديد في تاريخ الطيران العربي، كرمز للريادة والجودة والنمو المستدام.
