المبادرات والخطط لحماية الأطفال من تهديدات الانترنت والفضاء السيبراني
تواجه المجتمعات الحديثة تحديات غير مسبوقة بسبب التحولات الرقمية المتسارعة، وعلى رأسها حماية الأطفال من التهديدات المتزايدة في الفضاء السيبراني. مع تنامي استخدام الإنترنت والأجهزة الذكية من قبل الأطفال، أصبحت المملكة العربية السعودية من الدول السباقة في إطلاق مبادرات وخطط استراتيجية شاملة تهدف إلى تأمين بيئة رقمية آمنة تحمي الأطفال من الأخطار الإلكترونية، مثل الاستغلال، التنمر الإلكتروني، المحتوى الضار، والتجنيد الرقمي.
هذا المقال يستعرض أهم الجهود السعودية لحماية الأطفال في الفضاء السيبراني، من المبادرات العالمية التي تقودها المملكة، وإلى الجهود المحلية على صعيد التوعية والتشريعات والبنية التقنية.
المبادرة العالمية لحماية الطفل في الفضاء السيبراني
في أكتوبر 2024، أطلقت السعودية مبادرة "حماية الطفل في الفضاء السيبراني" Child Protection in Cyberspace، برعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ضمن توجهات رؤية السعودية 2030. تهدف هذه المبادرة إلى وضع إطار وقائي عالمي لحماية الأطفال من المخاطر الإلكترونية، من خلال تعزيز التعاون الدولي، تطوير السياسات والتشريعات وتمكين الأطفال وأسرهم من التعامل الآمن مع التقنيات الحديثة.
في يوليو 2025، تمكّنت المملكة من تمرير قرار تاريخي في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، خلال دورته الـ59 في جنيف، لدعم هذه المبادرة. جاء القرار بإجماع الدول الأعضاء، ما يعكس حجم الدعم الدولي للخطوة السعودية، ويؤكد التزام المجتمع الدولي بحماية الأطفال في البيئة الرقمية. القرار يركز على بناء القدرات الوطنية في كل دولة، ودعم جهود التوعية والتدريب التقني وتطوير برامج حماية فعّالة تراعي السياقات الاجتماعية المختلفة.
حظيت المبادرة بدعم مباشر من دول مثل الكويت والجزائر وباكستان وأذربيجان وفيتنام، إضافة إلى شراكات استراتيجية مع منظمات دولية مثل اليونيسف، الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، المنتدى العالمي للأمن السيبراني (GCF)، ومبادرة We Protect.
القمة العالمية لحماية الطفل في الفضاء السيبراني
في أكتوبر 2024، نظّمت السعودية القمة العالمية الأولى لحماية الطفل في الفضاء السيبراني في العاصمة الرياض، بمشاركة دولية واسعة من الحكومات والمنظمات الأممية وشركات التقنية العالمية والمجتمع المدني. جاءت القمة لتعزيز النقاش العالمي حول الأخطار الإلكترونية التي يتعرض لها الأطفال، ووضع سياسات جماعية تضمن بيئة رقمية آمنة.
تناولت القمة موضوعات متعددة، مثل:
- استراتيجيات التصدي للمحتوى الضار
- منع الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت
- مكافحة التنمر الإلكتروني
- حماية الخصوصية الرقمية للأطفال.
وتم خلال القمة الاتفاق على تأسيس منصة دولية لتبادل الخبرات وأفضل الممارسات بين الدول والمنظمات.
جمعية الأمن السيبراني للأطفال "Cyber Kids"
على الصعيد المحلي، أنشأت السعودية "جمعية الأمن السيبراني للأطفال"، المعروفة اختصاراً باسم Cyber Kids، كأول جمعية متخصصة في هذا المجال في المنطقة. تأسست الجمعية عام 2018، وهي مرخصة من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وتعمل تحت إشراف وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات والهيئة الوطنية للأمن السيبراني.
تهدف الجمعية إلى نشر ثقافة الاستخدام الآمن للإنترنت بين الأطفال وأسرهم، وتقديم برامج توعوية وتدريبية تساعد الأطفال على تجنب الأخطار الرقمية. كما تعمل الجمعية على إنتاج محتوى تعليمي مبسط يناسب مختلف الأعمار، من خلال قصص تفاعلية وورش عمل وفعاليات تقنية، بالإضافة إلى تنظيم مسابقات تهدف إلى تعزيز الوعي بالأمن الرقمي.
من أبرز أنشطة الجمعية تنظيم ورش عمل في مختلف مناطق المملكة، بالتعاون مع المدارس والجامعات، لتدريب الأطفال وأولياء الأمور على كيفية حماية البيانات الشخصية، التعامل مع الابتزاز الإلكتروني، والتعرف على أساليب الاحتيال الرقمي. كما تنفذ الجمعية حملات توعوية موسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من المجتمع.
دور الهيئات الوطنية في حماية الأطفال رقمياً
تشارك عدة جهات حكومية سعودية في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحماية الأطفال من مخاطر الإنترنت، من أبرزها:
- الهيئة الوطنية للأمن السيبراني (NCA)، والتي تتولى وضع السياسات العامة للأمن السيبراني وتوجيه الجهات الحكومية والخاصة لضمان التزامها بإجراءات الحماية الرقمية.
- هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية (CST)، التي تعمل على إصدار اللوائح التنظيمية لمقدمي خدمات الإنترنت، وتلزم الشركات بمراقبة المحتوى غير المناسب للأطفال، إضافة إلى حملات التوعية المجتمعية.
- المنتدى العالمي للأمن السيبراني (GCF)، الذي يتعاون مع جهات دولية مثل اليونيسف لدعم المبادرات الموجهة للأطفال، وتطوير أدوات مبتكرة لرصد المخاطر الرقمية.
- وزارة التعليم، التي تعمل على دمج مفاهيم الأمن السيبراني في المناهج الدراسية، وتدريب المعلمين على التوعية بالأمن الرقمي في البيئة المدرسية.
خارطة الطريق حتى 2028
وضعت السعودية خطة زمنية تمتد حتى عام 2028 لتطوير منظومة الحماية الرقمية للأطفال. تشمل الخطة عدة محاور رئيسية:
- التوعية الجماعية من خلال الإعلام والمدارس ومنصات التواصل الاجتماعي.
- تطوير مناهج تعليمية رقمية تُدرّس في المدارس حول الاستخدام الآمن للتقنية.
- تعزيز التشريعات الوطنية المتعلقة بحماية الطفل في البيئة الرقمية.
- العمل مع شركات التقنية العالمية لضمان توفير أدوات تحكم أبوي فعّالة، وأنظمة مراقبة المحتوى الرقمي.
- إنشاء قاعدة بيانات وطنية لرصد التهديدات الرقمية التي تستهدف الأطفال، وتحليل أنماطها.
- دعم البحث العلمي المتخصص في مجال حماية الطفل السيبراني، بالتعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث.
تسعى السعودية إلى ترسيخ مكانتها كدولة رائدة في حماية الطفل في الفضاء السيبراني عبر بناء منظومة شاملة تشمل التوعية، التعليم، الشراكة مع القطاع الخاص، والتعاون الدولي. فحماية الأطفال في العصر الرقمي أصبحت مسؤولية مجتمعية تتطلب تضافر الجهود بين الأسرة، المدرسة، الدولة، والمنظمات العالمية.
مع استمرار التحول الرقمي في المملكة، ستظل حماية الأطفال من التهديدات السيبرانية أحد المحاور الأساسية لتحقيق تنمية مستدامة وآمنة للأجيال القادمة، بما ينسجم مع رؤية السعودية 2030.