لماذا يُسمى البحر الأحمر بهذا الاسم؟
إلى الغرب من المملكة العربية السعودية تقع إحدى المناطق الطبيعية الأكثر سحر وجمال وهي البحر الأحمر. هذا الامتداد الرائع من المحيط الهندي يفصل بين قارتي آسيا وإفريقيا، وكان منذ زمن بعيد ملتقى للتجارة والتاريخ والثقافة. بمياهه الزرقاء اللبنية وشعابه المرجانية المزدهرة، يُعد هذا البحر الغني بالتنوع البيولوجي وجهة سياحية واعدة – لا سيما أرخبيل البحر الأحمر الذي يتم تطويره حالياً من قبل شركة البحر الأحمر العالمية.
ومع كل شهرته وإمكاناته، لا يزال سؤال واحد يثير الفضول: لماذا سُمّي البحر الأحمر بهذا الاسم؟
أقدم اسم مسجّل لهذا البحر يأتي من المصطلح اليوناني "إريثرا ثالاسا"، الذي يُترجم إلى "البحر الأحمر". ولكن قد يكون اليونانيون قد استعاروا هذا المصطلح من لغات محلية أقدم، مثل الأكدية أو الفارسية القديمة، حيث وُجدت كلمات مشابهة تصف المنطقة. وفي اللاتينية، أطلق على البحر اسم "مار روبيروم"، والذي يعني "البحر الأحمر". ومع ذلك، يعتقد بعض المؤرخين أن وصف "الأحمر" لم يكن وصفًا حرفيًا، بل ربما كان إشارة رمزية أو ثقافية.
فيما يلي، نستعرض أربع نظريات مثيرة للاهتمام حول سبب تسمية البحر الأحمر – الذي تُعرف مياهه بوضوح بلونها الأزرق الساطع – بهذا الاسم الملون.
النظرية الأولى: الطحالب المحمرة
التفسير الأكثر قبول لاسم "البحر الأحمر" يمكن إرجاعه إلى علم الأحياء البحرية. يُعتبر البحر الأحمر من بين أكثر البحار ملوحة في العالم، وتتكاثر لنوع من الطحالب يُعرف باسم Trichodesmium erythraeum أو "نشارة البحر". تبدو هذه الطحالب خضراء عندما تكون حية، لكنها تتحول إلى لون بني مائل إلى الأحمر عند تحللها، مما يُكسب سطح البحر لون أحمر في ظروف إضاءة معينة.
هذه الظاهرة نادرة الحدوث، وتحدث فقط في الأشهر الدافئة عندما تكون مستويات المغذيات مرتفعة. ومع ذلك، بالنسبة للبحارة القدماء، لا بد أن هذا المشهد كان مذهل للغاية، وربما بدا لهم وكأنه ظاهرة غامضة.
النظرية الثانية: فرضية الاتجاهات الأساسية
في العديد من الثقافات القديمة، لم تكن الألوان مجرد عنصر جمالي، بل كانت تحمل معاني رمزية وترتبط بالاتجاهات الأساسية: الشمال، الشرق، الجنوب، والغرب. كانت هذه الممارسة بارزة بشكل خاص في التقاليد المصرية والسامية، حيث كان اللون الأحمر يرمز إلى الجنوب، والأسود إلى الشمال، والأبيض إلى الغرب، والأخضر إلى الشرق.
ونظراً لأن البحر الأحمر يقع جنوب البحر الأبيض المتوسط، فقد يكون قد تم تسميته في الأصل كدلالة جغرافية تعكس هذا التقليد الثقافي. بالنسبة للبحارة والتجار القدماء، كانت مثل هذه الارتباطات بين الألوان والاتجاهات أساسية لتحديد المسار عبر الأراضي والبحار الواسعة التي تفتقر إلى المعالم.
النظرية الثالثة: الأهمية الدينية والتاريخية
يرتبط البحر الأحمر ارتباط وثيق بالديانات الإبراهيمية. ففي الإسلام، يُذكر البحر الأحمر في قصة النبي موسى ومعجزة انشقاقه، كما وردت في القرآن الكريم. ومن الممكن أن يكون اسم "البحر الأحمر" مستوحًى من هذا السرد المقدس، مما يعكس الرمزية الروحية العميقة التي يحملها عبر الثقافات والأديان.
ويقترح بعض العلماء أن الترجمات القديمة أو التغيرات اللغوية، وخصوصاً المتعلقة بالمصطلح العبري Yam Suph، الذي يمكن أن يعني "بحر القصب" أو "بحر الحشائش"، قد ساهمت في تطور اسم البحر الأحمر كما نعرفه اليوم.
النظرية الرابعة: الروابط الجيولوجية والطبيعية
يقع البحر الأحمر بين قارتي إفريقيا وآسيا، وتحيط به جبال صحراوية ورمال غنية بأكسيد الحديد، مما يمنح التضاريس لون مائل إلى الأحمر. تصبح هذه الألوان الترابية أكثر وضوح وجمال أثناء شروق الشمس وغروبها، حيث تضاعف أشعة الشمس من درجات الأحمر والذهبي، ما يُحدث تباين مذهل مع زرقة البحر.
يُحتمل أن المستوطنين الأوائل والتجار والبحارة الذين عبروا هذه المنطقة أطلقوا اسم "البحر الأحمر" بناءً على هذه المعالم الجيولوجية البارزة، حيث كانت التضاريس ذات اللون الأحمر العميق تُعتبر سمة مميزة للمنطقة.
على مر العصور، استحوذ البحر الأحمر على اهتمام العلماء والمؤرخين والبحارة على حد سواء، ليس فقط لجماله الطبيعي وتنوعه البيئي، وللغموض الكامن وراء اسمه الفريد. كل نظرية تضيف طبقة جديدة من السحر لهذا البحر التاريخي. ما يظل ثابتًا هو أن البحر الأحمر ليس مجرد مسطح مائي، بل شاهد على تداخل التاريخ والجغرافيا والثقافة، مما يجعله أحد أكثر الأماكن إثارة للإعجاب في العالم.