المسرح في المملكة العربية السعودية

 

يعدّ المسرح السعودي جزء من المشهد الثقافي والفني الذي يشهد ازدهار متزايد في المملكة العربية السعودية. ويشمل جميع الأنشطة المسرحية مثل التأليف، العروض الأدائية، وتطوير البنية التحتية للمسارح، وذلك بإشراف وتنظيم وزارة الثقافة ممثلةً بهيئة المسرح والفنون الأدائية. إلى جانب ذلك، يُدرّس المسرح كمجال أكاديمي ضمن برنامج وزارة الثقافة للابتعاث الخارجي، مما يعكس اهتمام المملكة بتطوير المواهب المحلية ورفع جودة الإنتاج المسرحي.

 

 

رواد المسرح السعودي

شهد المسرح السعودي بداياته الأولى على أيدي روّاد متميزين أبدعوا في مجال الكتابة المسرحية وسعوا إلى إنشاء مسارح قدموا عليها أعمالهم. يعود تاريخ المحاولات التأسيسية الأولى إلى عام 1932م، حيث برز الشاعر حسين عبد الله سراج كواحد من أوائل المبدعين الذين كتبوا مسرحيات مثل "الظالم نفسه" عام 1350هـ/1932م، "جميل وبثينة" عام 1360هـ/1942م، و"غرام ولادة" عام 1370هـ/1952م.

كما أسهم أحمد عبدالغفور عطار بمسرحيات مثل "الهجرة" و"الملحمة" عام 1365هـ/1946م، وعبدالله عبدالجبار بـ"العم سحنون" عام 1370هـ/1952م. وتلاهم محمد مليباري الذي قدم أعمال بارزة مثل "فتح مكة" و"مسيلمة الكذاب" عام 1379هـ/1960م. هؤلاء الروّاد وضعوا الأساس للحركة المسرحية في المملكة، مما مهد الطريق لتطورها عبر السنوات.

 

تطور العروض المسرحية في المملكة

مع مرور الزمن، ازداد الاهتمام بالمسرح في السعودية، وبلغ عدد العروض المسرحية في عام 1440هـ/2019م نحو 125 عرض مسرحي، قُدمت في مختلف مناطق المملكة. وفي عام 1443هـ/2022م، ارتفع الإنتاج إلى 150 عرض، مما يدل على تنامي الإقبال على الفنون الأدائية وتطورها.

 

نشأة المسرح في السعودية

كانت بدايات المسرح في السعودية متواضعة، حيث ظهرت من خلال كتابة نصوص مسرحية نُشرت في الصحف والمجلات المحلية. وكانت مسرحية "الظالم نفسه" لحسين سراج أول عمل مسرحي يضع حجر الأساس للمسرح السعودي في عام 1351هـ/1932م. أما على صعيد العروض المسرحية، فقد بدأت بمحاولات مدرسية في أواخر العشرينيات، مثل مسرحية "بين جاهل ومتعلم" التي عُرضت في المدرسة الأهلية بعنيزة عام 1348هـ/1929م.

شهدت المرحلة اللاحقة تطور ملحوظ مع إقامة أول عرض مسرحي عام 1389هـ/1969م بعنوان "ثمن الحرية" في الرياض، وتأسيس دور قريش للتمثيل القصصي على يد الأديب أحمد السباعي عام 1380هـ/1960م، مما ساهم في انطلاق المسرح كفن أدائي.

 

مراحل تطور المسرح السعودي

المرحلة الأولى: المسرح المدرسي والجامعي

بدأ المسرح في السعودية من خلال العروض المدرسية، حيث شهدت المدارس والجامعات عروض تمثيلية تهدف إلى التثقيف والتسلية. وفي عام 1354هـ/1935م، شهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود عروض مدرسية مثل "كسرى والوفد العربي"، مما أضاف بعد رسمي لتلك الفعاليات.

كما شاركت الفرق المسرحية الجامعية في مهرجانات دولية، مثل فرقة جامعة الملك عبدالعزيز التي مثلت المملكة في مهرجان المسرح الجامعي بتونس عام 2009م، مما عزز مكانة المسرح السعودي على الصعيد الدولي.

المرحلة الثانية: المسرح الاحترافي

مع تطور الفنون الأدائية، أُنشئت الجمعية العربية السعودية للفنون عام 1393هـ/1973م، والتي ساهمت في تنظيم الفعاليات المسرحية وتطوير البنية التحتية. وفي السبعينيات والثمانينيات، شهدت المملكة ازدهار في المسرح التجاري والمسرحيات التي تُقدم في المناسبات الوطنية والعطل الصيفية.

المرحلة الحالية: المسرح الوطني

يعد تأسيس المسرح الوطني في مركز الملك فهد الثقافي عام 1440هـ/2019م علامة فارقة في تاريخ المسرح السعودي. وافتتح المسرح أولى عروضه بمسرحية "درايش النور" عام 1441هـ/2020م، مما يمثل نقطة انطلاق جديدة للمسرح السعودي تحت مظلة وزارة الثقافة.

 

المرأة في المسرح السعودي

شهد المسرح النسائي تطور متدرج على هامش المسرح العام، حيث بدأت النساء في التأليف المسرحي قبل مشاركتهن الفعلية في العروض. في عام 1405هـ/1985م، قُدمت أول مسرحية نسائية بعنوان "مونوكوليا" من تأليف إبراهيم الحمدان، وإخراج سمعان العاني، حيث مثلت أدوارها نساء بالكامل.

مع إطلاق رؤية السعودية 2030، ازدادت مشاركة المرأة في المسرح بشكل ملحوظ، سواء في التمثيل أو الإخراج أو الكتابة المسرحية. كما تسعى هيئة المسرح والفنون الأدائية إلى دعم العنصر النسائي من خلال استقطاب المواهب، وتقديم برامج تدريبية وفرص عرض فنية تعكس تطلعات المجتمع السعودي.

 

أثر المسرح السعودي في الحركة الفنية

لعب المسرح السعودي دور رئيسي في إبراز المواهب المحلية وصقل مهاراتها الأدائية، حيث أتاح للفنانين السعوديين المبتدئين فرصة المشاركة في الإنتاج المسرحي. ومن أبرز النماذج التي حققت نجاح كبير، مسرحية "تحت الكراسي" التي عُرضت عام 1405هـ/1985م، وبرز فيها فنانون أصبحوا رموز في الساحة الفنية مثل ناصر القصبي وعبدالله السدحان.

 

منصات أثرت في تطور المسرح السعودي

ساهمت منصات عديدة في دعم المسرح السعودي، مثل مسرح التلفزيون الذي انطلق في الستينيات وقدّم أعمالًا مسرحية متنوعة سُجلت وعُرضت على شاشات التلفزيون. كما أسهمت الأندية الأدبية، مثل تلك الموجودة في الرياض وجدة ومكة، في نشر الثقافة المسرحية.

المسرح السعودي ورؤية 2030

أدرج المسرح ضمن أهداف برنامج جودة الحياة، وهو أحد برامج رؤية السعودية 2030. وتعمل وزارة الثقافة على تعزيز دور المسرح من خلال هيئة المسرح والفنون الأدائية التي تهدف إلى تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية عبر تعزيز الفنون الأدائية.

 

المسرح السعودي، من خلال مراحله المختلفة وتنوع أنشطته، يعكس تحول نوعي في المشهد الثقافي بالمملكة. وبينما تسعى وزارة الثقافة والهيئات المعنية إلى تقديم الدعم الكامل للمسرح، يظل المستقبل واعد لهذه الفنون الأدائية التي تمثل جزء حيوي من رؤية السعودية 2030.