أبرز خمسة مواقع أثرية في منطقة نجران

 

تعتبر منطقة نجران مركز حضاري قديم، تقع جنوب غرب المملكة العربية السعودية، تجد في صخورها وتلالها أسرار من آلاف السنين، فكانت نجران ملتقى القوافل التجارية ومركز الآثار التي تروي قصص أمم وشعوب سكنتها وأمنت فيها وتركت بصمتها على صخورها وجدرانها، وفي هذا المقال سنأخذكم في رحلة تاريخية إلى أبرز خمس مواقع أثرية في منطقة نجران والتي تشهد على حضارة المملكة وعراقتها وأهميتها الثقافية والتاريخية.

 

 

مدينة الأخدود الأثرية: ذاكرة النار والإيمان

في الجنوب من مدينة نجران الحديثة تقع مدينة الأخدود أحد أشهر المواقع الأثرية في السعودية، والتي ارتبطت بقصة خالدة وردت في القرآن الكريم في سورة البروج:

﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ﴾.

تعود آثار هذه المدينة إلى القرنين الرابع والخامس الميلادي، وتظهر فيها بوضوح معالم حضارة جنوب الجزيرة، خصوصاً من خلال النقوش المسندية والجدران الحجرية الضخمة، وبقايا الأبنية التي يبدو أنها كانت معابد، وقصور ومساكن.

هذا الموقع اليوم هو متحف حي مفتوح يستقبل الزوار من داخل المملكة وخارجها، ويتبع لهيئة التراث السعودية التي تعمل على ترميمه وتطوير مرافقه السياحية.

 

آبار حمى: سجل صخري لتاريخ الإنسان والحيوان

بعيداً إلى الشمال الشرقي من نجران، وعلى طريق القوافل القديم، تقع منطقة آبار حمى، التي أصبحت حديث العالم بعد أن سجلتها منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي عام 2021.

تُعد آبار حمى موقع فريد يضم ما يزيد عن 5500 نقش صخري ورسمة تعود إلى فترات متعددة من تاريخ الجزيرة العربية، تمتد من العصر الحجري الحديث وحتى بدايات الإسلام. تشمل النقوش مشاهد لحيوانات منقرضة مثل المها العربي والأسود والنعام بالإضافة إلى مشاهد صيد ومحاربين ورعاة.

المثير في هذا الموقع أنه كان نقطة توقف حيوية على طريق القوافل القادمة من اليمن إلى الشمال. وكانت الآبار، التي حفرت في الصخور توفر الماء للمسافرين، حيث كان الموقع مركز بشري نشط لقرون طويلة.

أمّا اليوم، تُعد آبار حمى مرجع أساسي للباحثين في علم الآثار، وتكشف يوماً بعد يوم عن معلومات جديدة حول الحياة البرية والبيئة والثقافة في الجزيرة العربية.

 

روافة بني معين: معبد مملكة سبأ في نجران

من المعالم المدهشة في نجران كذلك روافة بني معين، وهو موقع أثري يحتوي على معبد ضخم بُني وفق طراز العمارة اليمنية القديمة. ينتمي إلى مملكة معين التي ازدهرت في اليمن قبل الميلاد، وكانت تمتد نفوذها حتى أراضي نجران.

المنشأة الأثرية في روافة بني معين تضم أعمدة حجرية ضخمة، ونقوش مسندية تذكر أسماء ملوك وكهنة، وتُظهر العلاقة الدينية والتجارية بين اليمن القديم ونجران.

يُرجّح أن هذا المعبد كان مركز ديني وتجاري هام، خاصة أن نجران كانت ملتقى القوافل التجارية بين الجنوب والشمال. روافة بني معين هي دليل على النفوذ المعيني وشاهد على التعايش بين الحضارات.

 

قلعة رعوم: الحارس الصامت فوق الجبل

تطل قلعة رعوم من أعلى جبل رعوم، على مدينة نجران، وكأنها تراقبها منذ قرون. بُنيت هذه القلعة في موقع استراتيجي يتيح رؤية شاملة للمنطقة المحيطة، وهي نموذج على العمارة العسكرية الإسلامية التي امتدت من العصور الوسيطة حتى العثمانية.

القلعة مشيدة من الحجر والطين، وتحتوي على أبراج مراقبة وغرف كانت تستخدم كسكن ومخازن ومواقع دفاعية. وكان يُعتقد أن القلعة استخدمت لحماية المدينة من الغزوات، ولتنظيم حركة القوافل.

زوار القلعة اليوم يصعدون الجبل ليكتشفوا مزيج من التاريخ والطبيعة، حيث يلتقي الأثر بالمنظر البانورامي للمدينة الحديثة في الأسفل.

 

حي أبو السعود: نجران كما كانت

نجد في قلب مدينة نجران حي أبو السعود التاريخي، وهو حي طيني قديم يعكس الحياة اليومية لسكان المنطقة قبل أكثر من مئتي عام.

يتميز الحي ببيوته المبنية من الطين، بأسلوب معماري محلي يُعرف بـ"المداميك"، إذ يحافظ على البرودة في الصيف والدفء في الشتاء. الأزقة الضيقة والأبواب الخشبية المنحوتة والنوافذ الصغيرة تعكس تفاصيل الحياة الاجتماعية والثقافية القديمة.

الحي الآن تحت إشراف هيئة التراث، وهناك خطط لترميمه وتحويله إلى قرية سياحية تراثية تُظهر حياة أهل نجران في الماضي، وتجذب الزوار المحليين والأجانب.

 

لا تقتصر الآثار في نجران على هذه المواقع الخمسة فقط، بل تنتشر في كل وادٍ وتلةٍ، من النقوش على الجبال إلى الآبار القديمة، ومن المعابد إلى الحصون، كلها تشكل فسيفساء حضارية فريدة في قلب الجزيرة.

تولي المملكة العربية السعودية أهمية كبرى لمنطقة نجران من خلال مشاريع الترميم والتوثيق، وفتح المواقع الأثرية للسياحة، ضمن رؤية 2030 التي تهدف إلى تعزيز الهوية الثقافية، وجعل التراث مورد اقتصادي وسياحي مستدام.

في كل حجر في نجران، هناك قصة. وفي كل نقش، هناك صدى لأصوات شعوب سكنت المكان وتركته لنا إرث لا يُقدّر بثمن.

 

 

Related news
 
يوليو 9th, 2025 / قراءة دقيقة 3
يونيو 30th, 2025 / قراءة دقيقة 2