محمية جبل شدا الأعلى

 

تقع محمية جبل شدا الأعلى في وسط منطقة الباحة، في شمال غرب محافظة المخواة، تجد أجمل محمية طبيعية في المملكة العربية السعودية، يمكنك أن ترى في هذه المحمية جمال الطبيعية والتنوع الحيوي والتاريخ العريق الذي يمثل المملكة العربية السعودية وجهودها العظيمة في مجالات حماية البيئة والتنوع البيولوجي.

 

 

الموقع الجغرافي والتضاريس

محمية جبل شدا الأعلى تقع في منطقة الباحة على بعد 20 كم تقريباً من محافظة المخواة. وهي جزء من سلسلة جبال السروات التي تمتد من قمة جبلة شاهقة ارتفاعها 2200 متر فوق مستوى سطح البحر وحتى وادي مليل. هذه الاختلافات في الشكل تضفي العوامل المتباينة في طول الوادي بالجمع بين المحمية التي تعتبر ظرف بيئي ومناخي مميز يساعد في تنمية التنوع الحياتي فيها.

وتُعد صخور الجرانيت والبازلت المهيمنة على تكوينات الجبل من أقدم التكوينات الجيولوجية في المنطقة، مما يمنح المكان طابعاً جيولوجياً فريداً ومثيراً للبحث والدراسة. كما يتميز جبل شدا الأعلى بوجود كهوف وتكوينات صخرية نادرة منحوتة بفعل الزمن، تشكل لوحات طبيعية أخاذة.

 

التأسيس والمساحة

تأسست محمية جبل "شدا الأعلى" رسمياً عام 2001م (1422هـ)، تحت إشراف الهيئة السعودية للحياة الفطرية، وتعد واحدة من أصغر المحميات من حيث المساحة، إذ تمتد على حوالي 69 كيلومتراً مربعاً. ورغم صغر مساحتها مقارنة بغيرها من المحميات، إلا أن كثافة التنوع البيولوجي فيها يجعلها ذات أهمية استثنائية على مستوى المملكة.

 

التنوع النباتي: ثروة خضراء منسية

تحتضن المحمية ما يقارب 500 نوع من النباتات، بعضها نادر ومهدد بالانقراض، وبعضها لا يوجد إلا في هذه المنطقة دون غيرها. وتتنوع هذه النباتات ما بين الأشجار والشجيرات والأعشاب والنباتات الطبية والعطرية. ومن أبرز أنواع النباتات التي تنمو في محمية جبل شدا الأعلى:

  • العتم (الزيتون البري)
  • العرعر
  • التمر الهندي الجبلي
  • الشث
  • اللثب
  • الريحان البري
  • العثرب
  • نباتات صخرية نادرة لا توجد إلا في المرتفعات

هذا التنوع النباتي جعل من المحمية مقصد للباحثين والعلماء المهتمين بالنباتات الطبية والعطرية، خصوصاً في ظل التوجه العالمي نحو الطب البديل والطبيعة المستدامة.

 

التنوع الحيواني: موطن الأنواع النادرة

تعد المحمية مكان مهم للحياة الفطرية بمختلف أنواعها. فمن الثدييات الكبيرة إلى الزواحف والطيور، تزخر المنطقة بتنوع بيولوجي يعكس عمق وأصالة الحياة البرية في الجزيرة العربية.

من أهم الحيوانات التي تعيش أو كانت تعيش في المحمية:

  • النمر العربي (نادر ومهدد بالانقراض)
  • الذئب العربي
  • الضبع المخطط
  • الوشق
  • الوعل الجبلي
  • الثعلب الرملي
  • الوبر الصخري
  • قرد البابون
  • النيص (المامس)

ومن الطيور، نجد:

  • النسر الأسمر
  • الحدأة السوداء
  • صقر الجراد
  • اللقلق الأبيض
  • الزرزور الرمادي
  • الحجل العربي
  • البلبل والشبوط وأنواع مهاجرة

أما الزواحف، فالمحمية تحتضن أنواع مثل:

  • سلاحف المياه العذبة
  • أفاعي الجبال
  • سحالي الصخور

الأهمية البيئية والعلمية

تمثل محمية جبل شدا الأعلى واحدة من أهم المناطق البيئية في المملكة، وذلك بسبب خصوصية مناخها وارتفاعها وتضاريسها، ما يجعلها حاضنة لتنوع بيئي لا يتكرر في أماكن أخرى. كما تعد مركز مهم للأبحاث العلمية في مجالات النبات والحيوان والمناخ والجيولوجيا.

وقد أولت الهيئة السعودية للحياة الفطرية اهتمام كبير بهذه المحمية من خلال مراقبة الأنواع، ومنع الصيد الجائر، ومنع الاحتطاب والرعي غير المنظم، ووضع خطط لإعادة توطين بعض الأنواع المهددة، لا سيما الوعل الجبلي.

 

السكان المحليون والأنشطة التقليدية

على امتداد سفوح الجبل وقممه، تنتشر قرى تقليدية يسكنها أبناء قبيلتي زهران وغامد، ويعود تاريخها إلى قرون طويلة. حافظ السكان المحليون على نمط حياة زراعي رعوي تقليدي، وكانوا يزرعون البن الشدوي الشهير، والذرة، والدخن، وبعض أنواع الفاكهة كالرمان والمشمش.

ويتميز البن الشدوي بجودته الفائقة، وهو الآن يشكل محور لمشاريع التنمية المستدامة التي تسعى إلى تعزيز الاقتصاد المحلي وتشجيع الزراعة البيئية.

 

الآثار والنقوش الصخرية

لا تقتصر قيمة جبل شدا الأعلى على الطابع البيئي فحسب، بل يمتد إلى الجانب الثقافي والتاريخي. إذ توجد في الجبل نقوش صخرية قديمة يرجع تاريخها إلى ما قبل الميلاد، وتحمل دلالات حضارية غنية. ومن أبرز المعالم: مصلى إبراهيم، وهو موقع مقدس لدى أهالي المنطقة، يُعتقد أن النبي إبراهيم مر به أو صلى فيه.

وتُعد هذه النقوش شاهد على وجود الإنسان في المنطقة منذ آلاف السنين، وتؤكد أهمية الموقع كممر حضاري وتجاري.

 

السياحة البيئية والوعي المجتمعي

في ظل رؤية السعودية 2030، بدأت المحمية تستقطب اهتمام السياح والمهتمين بالسياحة البيئية والمستدامة. وتمثل شدا الأعلى وجهة مثالية لمحبي الطبيعة والمغامرة والتصوير الفوتوغرافي. كما توفر فرصاً لتطوير برامج بيئية تعليمية، وزيارات موجهة للمدارس والجامعات والباحثين.

وقد ساهمت الحملات التوعوية في رفع مستوى الوعي البيئي لدى السكان والزوار، وحثت على المحافظة على النظافة، وعدم الصيد، واحترام الحياة البرية.

تحديات الحماية

رغم الجهود المبذولة، تواجه المحمية تحديات بيئية مثل:

  • الصيد الجائر لبعض الحيوانات النادرة
  • الرعي العشوائي
  • الزحف العمراني في محيط المحمية
  • نقص التمويل في بعض برامج إعادة التوطين
  • التغيرات المناخية والجفاف

لكن رغم ذلك، تبقى الجهود الرسمية والمجتمعية متواصلة لحماية هذه الجوهرة البيئية من أي خطر.

 

محمية جبل شدا الأعلى كنز بيئي وتاريخي وثقافي، تمثل مزيج نادر من التنوع الحيوي، والثراء الجغرافي، والتقاليد الأصيلة. وهي شاهد حي على قدرة السعودية على حماية بيئتها الطبيعية وتاريخها، وتحويل مواردها إلى عناصر جذب بيئي وسياحي وتعليمي مستدام.

ومع استمرار الجهود نحو الحماية والتطوير، تبقى محمية جبل شدا الأعلى منارات خضراء تضيء مستقبل البيئة في المملكة، ونموذج يُحتذى به في ربط الإنسان بالطبيعة بأسلوب متوازن وراقي.