تقنية الروبوتات في خدمة الحج
برزت تقنية الروبوتات كأداة بارزة في خدمة ضيوف الرحمن، وتقديم تجربة حج أكثر راحة وسلاسة و أمان، حيث أصبحت الروبوتات جزء من المشهد الحج الحديث، فهي تؤدي أدوار متنوعة سنتوسع فيها خلال مقالنا، كما يشهد موسم الحج في المملكة العربية السعودية تطور تقني كبير يقوده التوجه الوطني نحو التحول الرقمي ضمن رؤية 2030،.
تولي الحكومة السعودية خدمة الحجاج أهمية كبرى منذ عقود كثيرة، وذلك في سعيها لتسخير كل الإمكانات لتسهيل أداء المناسك. واليوم مع القفزات الكبيرة في مجالات التقنية ظهرت الروبوتات كعنصر فعال ضمن المنظومة الخدمية في المشاعر المقدسة، تقدم خدمات طبية وإرشادية تنظيمية ودينية، بطريقة تكنولوجية متقدمة تلامس حاجات العصر.
الروبوتات الإرشادية
في طرقات مكة المكرمة والمدينة المنورة وفي ساحة الحرم المكي بدأت الروبوتات تتجول بين الحجاج، لتؤدي مهام محددة بدقة. وأحد أبرز هذه المهام هو تقديم الإرشادات الدينية والفتاوى بأكثر من لغة، وذلك لتلبية تنوع جنسيات الحجاج. تكون هذه الروبوتات مزودة بشاشات تفاعلية وميكروفونات وبرمجيات تمكنها من التواصل مع الزائرين والرد على أسئلتهم حول أداء المناسك أو الاستفسارات الشرعية أو حتى التوجيهات التنظيمية في المشاعر.
يعد هذا الابتكار من الحلول التي تسهم في تخفيف العبء على الكوادر البشرية، وتجاوز عائق اللغة للمساعدة في تعزيز راحة الحجاج وتوفير بيئة دينية متفاعلة وسلسة. تعمل هذه الروبوتات من خلال الاتصال بقاعدة بيانات شرعية معتمدة من وزارة الشؤون الإسلامية، وتستخدم الذكاء الاصطناعي للتعلم وتحسين تفاعلها مع المستخدمين باستمرار.
الروبوتات الطبية والعيادة المتنقلة
أما في الجانب الصحي، فقد قدمت الروبوتات خدمات متقدمة في مواسم الحج الأخيرة، خاصةً بعد جائحة كوفيد-19. ظهرت الروبوتات كحلول فعالة لمراقبة الحالة الصحية للحجاج دون الحاجة للاحتكاك المباشر. تقوم روبوتات متنقلة بفحص درجة الحرارة، وقياس معدل الأوكسجين، وتسجيل المؤشرات الحيوية، بل وبعضها مزود بذراع ذكي لأخذ عينات فحص أو توزيع الكمامات والمطهرات.
تعمل هذه الروبوتات ضمن منظومة صحية ذكية تتصل مباشرة بمراكز التحكم التابعة لوزارة الصحة السعودية، بحيث يمكن رصد أي حالة صحية طارئة والتدخل في الوقت المناسب. كما استخدمت الروبوتات في تعقيم المستشفيات الميدانية ومراكز الرعاية، هذا ما أسهم في تقليل العدوى وتحسين الكفاءة التشغيلية.
روبوتات تعقيم الحرم والمرافق
لم تكن مهام التعقيم والتطهير في السنوات الماضية سهلة، خاصة مع تدفق ملايين الحجاج في وقت قصير، وهو ما دفع السلطات إلى اعتماد روبوتات مخصصة لهذا الغرض. تعمل هذه الآلات الذكية على مدار الساعة لتنظيف وتعقيم:
- الأرضيات
- الأسطح
- المرافق داخل الحرم أو في مساكن الحجاج
وذلك باستخدام تقنيات الرش الجاف أو البخار أو الأشعة فوق البنفسجية.
كما يتم التحكم بهذه الروبوتات عن بعد، أو من خلال برامج مبرمجة مسبقاً تحدد مسارها، وتضمن تغطية كل المناطق دون تدخل بشري. وقد أثبتت هذه الآلات فعاليتها في الحفاظ على بيئة نظيفة وآمنة، خصوصًا في ظل الحرص على الصحة العامة خلال التجمعات الكبرى.
روبوتات تقديم الطعام وماء زمزم
من الابتكارات المثيرة للإعجاب استخدام الروبوتات في تقديم الطعام والشراب للحجاج، خاصة ماء زمزم المبارك. فبدل الطوابير والزحام، باتت الروبوتات تتجول بين صفوف الحجاج، حاملة عبوات زمزم المبردة، أو وجبات غذائية مُعدّة مسبقاً. تعمل هذه الروبوتات بذكاء لتحديد المسارات الأسرع، وتتوقف تلقائياً عند وجود حجاج في طريقها، وتتيح لهم سحب العبوة بسهولة.
هذه الخطوة لم تحسّن فقط الكفاءة اللوجستية، بل قلّلت من الهدر، ورفعت من مستوى النظافة، وساهمت في تقليل الاتصال المباشر، ما يعزز مفهوم "الحج الذكي".
دعم التنظيم وإدارة الحشود
في المواسم التي تشهد ذروة الحضور البشري، يصبح تنظيم الحشود تحدي كبير. ومن هنا، جاءت الروبوتات لتلعب دور في تنظيم حركة الزوار، وتوجيههم إلى المسارات المناسبة، والتنبيه على مناطق الازدحام، باستخدام نظم استشعار عالية الدقة وكاميرات تعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي.
يمكن لبعض هذه الروبوتات تتبع حركة الحشود، وتحليلها بشكل فوري، وإرسال التنبيهات للجهات الأمنية والإدارية، بما يضمن التدخل السريع في حال وجود طوارئ، أو اختناقات بشرية، أو حالات تدافع.
الصناعة والتطوير محلياً
جدير بالذكر أن نسبة كبيرة من هذه الروبوتات تم تصميمها وتصنيعها أو تطويرها داخل المملكة، بدعم من المؤسسات العلمية مثل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، وجامعة الملك سعود، بالتعاون مع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا"، ووزارة الحج والعمرة. هذا التوجه يعزز الاستقلال التقني، ويحفّز الشباب السعودي للمساهمة في تطوير حلول ذكية ذات طابع وطني وروحي.
التحديات والتطلعات
رغم كل هذه النجاحات، إلا أن توسيع استخدام الروبوتات يواجه بعض التحديات، مثل الحاجة لتحديث البنية التحتية الرقمية في بعض مناطق المشاعر، وتوفير تغطية شاملة لشبكات الإنترنت والاتصال، وضمان صيانة هذه الأجهزة خلال فترات الذروة. كما أن استيعاب الحجاج لهذه التقنيات قد يحتاج إلى مزيد من التوعية، خاصة في ظل تنوع الثقافات واللغات.
مع ذلك، فإن النظرة المستقبلية تشير إلى أن موسم الحج سيتحول في الأعوام المقبلة إلى تجربة متكاملة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والروبوتات بشكل أوسع، سواء في المجال الأمني أو الإرشادي أو الخدمي. ومن المتوقع أن تشمل الروبوتات المستقبلية تقنيات الواقع المعزز، والخرائط الذكية، وربما حتى رفقة شخصية للحاج لمساعدته طوال فترة الحج.
لقد أثبتت تجربة المملكة العربية السعودية في توظيف الروبوتات في خدمة الحج أنها ليست مجرد استعراض تكنولوجي، بل نابعة من فهم عميق لحاجة الإنسان في أعظم رحلة روحية إلى تسهيلات تحترم قدسية المكان وتراعي التحديات الإنسانية. وفي مزيج نادر من التقنية والإيمان، تحوّل موسم الحج في المملكة إلى مختبر عالمي للابتكار في خدمة البشر.