مبادرة "سماي" البرنامج المتخصص في تعليم مبادئ الذكاء الاصطناعي
في العقود الماضية، كانت الثورة التقنية محصورة في دول محدودة، بينما كانت بقية الدول تكتفي بدور المستهلك للتقنية. أما اليوم، ومع التحولات الرقمية الكبرى، أصبح لزاماً على الدول أن تواكب هذه الثورة لا كمصنّعة ومطورة وصاحبة قرار في مسارات التكنولوجيا. تدرك المملكة العربية السعودية هذا التحول جيداً، ومن هنا أطلقت مبادرة ضخمة وغير مسبوقة بعنوان "سماي" أو "مليون سعودي للذكاء الاصطناعي".
مبادرة "سماي" هي جزء من رؤية استراتيجية تهدف إلى بناء مجتمع معرفي رقمي، قادر على التعامل مع تقنيات المستقبل وفهمها وتطويعها لخدمة الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة.
لماذا الذكاء الاصطناعي؟
أصبحت مواكبة التطور في مجال الذكاء الاصطناعي مطلب هام جداً لمواكبة الحداثة، حيث يشكل الذكاء الاصطناعي مفصل رئيسي في كثير من جوانب الحياة اليومية. من الطب إلى التعليم، ومن الطاقة إلى الأمن ومن الصناعة إلى الترفيه، لا يوجد قطاع اليوم لا يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل أو بآخر.
تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2024 أشار إلى أن الذكاء الاصطناعي سيغير شكل سوق العمل العالمي بالكامل، حيث من المتوقع أن يتم استبدال بعض الوظائف التقليدية، وفي المقابل ستُخلق وظائف جديدة تتطلب مهارات مختلفة بشكل كلّي عن وظائف الأمس. ومن هنا، فإن الاستثمار في تأهيل المجتمع تقنياً أصبح ضرورة حتمية.
السعودية، من خلال "سماي"، وضعت هذا التحدي نصب أعينها، فقررت أن تبدأ من الإنسان نفسه؛ من المواطن السعودي، الذي سيكون هو الوقود الأساسي للاقتصاد المعرفي الجديد.
ما هي مبادرة "سماي"؟
"سماي" هي مبادرة وطنية سعودية لتعليم وتدريب مليون مواطن سعودي على مبادئ الذكاء الاصطناعي، أطلقتها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، بالتعاون مع وزارة التعليم ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
تقوم المبادرة على تقديم برنامج تدريبي مجاني بالكامل، متاح عن بُعد، وباللغة العربية، بحيث يصل إلى كل فئات المجتمع، من طلاب المدارس والجامعات إلى الموظفين وأصحاب الأعمال، وحتى الباحثين عن عمل. الهدف هو إتاحة المعرفة التقنية للجميع ، أي جعل الذكاء الاصطناعي مفهوم متاح، وليس حكر على المبرمجين أو المتخصصين.
المبادرة تأتي كجزء من خطة السعودية لجعل الذكاء الاصطناعي عنصر أساسي في حياة المواطن في الحياة اليومية، من خلال الخدمات الحكومية الرقمية و التعاملات التجارية والابتكار وريادة الأعمال.
ماذا سيتعلم المشاركون في "سماي"؟
البرنامج التدريبي الذي تقدمه "سماي" مصمم ليكون مدخل مبسط وشامل للذكاء الاصطناعي. لا يحتاج المشارك إلى خبرة سابقة أو شهادة تقنية، بل يكفي أن يكون لديه شغف للتعلم وفهم المستقبل.
يبدأ البرنامج بتعريف المشاركين بأساسيات الذكاء الإصطناعي: ماهو؟ وكيف يعمل؟ ما الفرق بين الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي؟ وما هي تطبيقاته في الحياة؟
ثم ينتقل المتدرب إلى دراسة كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في قطاعات متعددة مثل الصحة والنقل، والأمن والتعليم والطاقة. يتعرف المشارك على أدوات الذكاء الاصطناعي البسيطة، وعلى مفاهيم مثل البيانات الضخمة وتحليل البيانات، وكيف أن البيانات هي "الوقود" الأساسي لأنظمة الذكاء الاصطناعي.
واحدة من النقاط الهامة التي تغطيها المبادرة هي أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن تجنب التحيزات الخوارزمية وضمان استخدام التقنية بشكل عادل وآمن يخدم المجتمعات ولا يضر بها.
وفي نهاية البرنامج يحصل المتدرب على شهادة معتمدة من سدايا، تثبت اجتيازه لمتطلبات التدريب، ويمكن استخدامها لدعم السيرة الذاتية أو كمؤهل إضافي في سوق العمل.
التعليم الذاتي.. في أي وقت ومن أي مكان
الميزة الأهم في "سماي" هي أنها مبادرة مفتوحة للجميع، ولا تتطلب حضور فيزيائي أو التزام بجدول زمني محدد. يستطيع المتدرب بدء البرنامج في أي وقت، ومتابعته بالوتيرة التي تناسبه، وهذا جعل المبادرة مناسبة للطلاب والموظفين وأصحاب الأعمال على حد سواء.
من خلال منصة إلكترونية سهلة الاستخدام، يستطيع أي شخص في السعودية الدخول إلى المحتوى التدريبي، بدء التعلم مباشرة، ثم الحصول على الشهادة عند إتمام الدورة.
الذكاء الاصطناعي يدخل المناهج الدراسية
اللافت أن مبادرة "سماي" لا تعمل في عزلة عن النظام التعليمي السعودي، بل تتكامل معه. فقد أعلنت وزارة التعليم عن بدء تدريس منهج الذكاء الاصطناعي في المدارس العامة بدءاً من العام الدراسي 2025-2026. وهذا يعني أن جيل جديد سيكبر وهو يمتلك أساسيات هذه التقنية منذ الصغر.
إن الجمع بين التعليم النظامي من جهة، والتدريب المجتمعي التطوعي من جهة أخرى، يخلق بيئة معرفية متكاملة تتيح لكل مواطن سعودي أن يصبح جزء من الثورة الصناعية الرابعة.
الأثر المتوقع.. مستقبل رقمي بأيدٍ سعودية
السعودية وضعت لنفسها هدف واضح في رؤية 2030: أن تصبح واحدة من الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي. ولتحقيق هذا الهدف، لا يكفي شراء التقنية أو استيراد الخبرات، بل يجب بناء رأس مال بشري وطني قادر على فهم التقنية وتطويرها وتطويعها لخدمة الاقتصاد الوطني.
"سماي" تساهم في تحقيق هذا الهدف عبر خلق مجتمع واعٍ بالتقنيات الحديثة، قادر على التعامل مع تحدياتها، واستثمار فرصها. وبوجود مليون سعودي مدرب على أساسيات الذكاء الاصطناعي، ستنشأ بيئة خصبة لريادة الأعمال التقنية، وستزيد فرص الابتكار، وسيتحول المواطن السعودي من مستهلك للتقنية إلى شريك في صناعتها.
النجاح في عالم اليوم لم يعد مرتبط بالثروات التقليدية فقط، بل بالقدرة على التكيف مع التكنولوجيا وصناعتها. من هنا، تأتي مبادرة "سماي" كخطوة استراتيجية لبناء مجتمع رقمي متعلم، يمتلك أدوات الذكاء الاصطناعي، ويعرف كيف يستخدمها لخدمة نفسه ووطنه.
إنها مشروع وطني لبناء الإنسان السعودي القادر على قيادة مستقبل المملكة في العصر الرقمي.