مشاريع إعادة التدوير في السعودية
تأخذ مشاريع إعادة التدوير أولوية كبيرة ضمن سياسات التنمية المستدامة الخضراء التي تسعى المملكة العربية السعودية لتحقيقها بحلول 2030 من رؤيتها الشهيرة التي من أهدافها بناء اقتصاد مستدام يحسن إدارة الموارد ويحد من النفايات إضافة إلى تقليل الاعتماد على الموارد غير المتجددة، ومع ازدياد التحديات البيئية والتوسع العمراني والنمو السكاني تأتي مشاريع إعادة التدوير التي تسعى إلى إيجاد حلول مبتكرة لإدارة النفايات وتحويلها إلى مورد اقتصادي.
تأسيس مشروع للاستثمار في إعادة التدوير
أسس صندوق الاستثمار العامة الشركة السعودية للاستثمار في إعادة التدوير عام 2017، وهي الجهة الوطنية المسؤولة عن تطوير البنية التحتية لمشاريع إعادة التدوير، وتهدف إلى أن تصبح نموذج ناجح في مجال الاقتصاد الدائري، وخطتها الأساسية هي تحويل ما يزيد عن 90% من النفايات إلى مواد قابلة للاستخدام والاستهلاك من من جديد بحلول 2040.
هذه الخطوة هي تحول كبير في مجال إعادة التدوير في العالم كله، حيث تطيح بالطريقة التقليدية القائمة على الطمر وتحويلها إلى مصادر للطاقة والمواد الخام للصناعات.
تحويل النفايات إلى وقود وطاقة
من أبرز مشاريع إعادة التدوير محطة تحويل النفايات إلى وقود، والتي تم إطلاقها في عدة مدن رئيسية بطاقة استيعابية تتجاوز 3 ملايين طن بشكل سنوي من نفايات البلدية. كما تعمل هذه المحطة على تحويل نحو 35% من هذه النفايات إلى وقود بديل يُستخدم في الصناعات الثقيلة، مثل الأسمنت بينما يُعاد تدوير 14% منها إلى مواد قابلة للاستخدام مجدداً، وهذا يساعد في تقليل انبعاثات الكربون بحوالي 1.8 مليون طن. كما يشكل هذا المشروع نقلة نوعية في إدارة النفايات ويعزز الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة.
تدوير نفايات البناء والهدم
في ظل التوسع العمراني الكبير الذي تشهده السعودية ، نتج عنه كميات هائلة من مخلفات البناء والهدم. وللتعامل مع هذا التحدي، أنشأت المملكة منشأة متطورة في شمال الرياض، قادرة على معالجة أكثر من 600 طن من هذه المخلفات في الساعة، بنسبة إعادة تدوير تصل إلى 90%. وتتيح إعادة استخدام المواد الناتجة في مشاريع البنية التحتية والطرق، لتقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية والحافظ على البيئة.
التوسع في تدوير النفايات الصناعية والبحرية
إلى جانب النفايات المنزلية والعمرانية، شرعت السعودية في مشاريع تهدف إلى معالجة النفايات الصناعية والبحرية. ففي ميناء جدة، تم إطلاق مشروع مشترك بين موانئ وشركة ريفيفا التابعة لـ SIRC لإنشاء مجمع صناعي لإعادة تدوير النفايات البحرية والصناعية. يمتد هذا المجمع على مساحة 10 آلاف متر مربع، وبتكلفة تصل إلى 30 مليون ريال، ويعد خطوة استراتيجية لتنظيف البيئة البحرية وتعزيز ممارسات الاستدامة في الموانئ السعودية.
الابتكار في تدوير الكرتون والعبوات متعددة المواد
عام 2022، دخلت شركة تترا باك في شراكة مع شركات محلية لتأسيس محطة مخصصة لتدوير عبوات الكرتون متعددة الطبقات، والتي تُستخدم في تعبئة العصائر والحليب. تتيح هذه المحطة فصل مكونات العبوة (البلاستيك، الألمنيوم، الورق) وإعادة استخدامها في صناعات مختلفة. يسهم هذا المشروع في تقليل النفايات البلاستيكية، ويعد نموذج ناجح للتعاون بين القطاعين العام والخاص في تطوير قطاع التدوير.
خارطة طريق وطنية لإدارة النفايات
في عام 2019، وضعت السعودية استراتيجية وطنية شاملة لإدارة النفايات، تهدف إلى تحويل 90% من النفايات عن المكبات، من خلال توزيعها على إعادة التدوير (40%)، التحويل إلى سماد عضوي (31%)، واستخدامها في إنتاج الطاقة (16%). كما تم تخصيص أكثر من 55 مليار ريال للاستثمار في هذه المبادرات، مع توقعات بخلق أكثر من 100 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة، والمساهمة بما يزيد عن 120 مليار ريال في الناتج المحلي الإجمالي. هذه الاستراتيجية تمثل خطوة مفصلية نحو بناء اقتصاد دائري متكامل، يعيد تدوير الموارد ويقلل الفاقد.
تقنيات ذكية لتعزيز كفاءة التدوير
مع تطور التكنولوجيا، بدأت بعض المشاريع في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء لتحسين جمع النفايات وفرزها. على سبيل المثال، في مدينة مكة المكرمة، تم إطلاق مشروع TUHR، الذي يستخدم الحساسات الذكية لمراقبة مستويات النفايات في الحاويات وتنظيم جدول التنظيف خلال موسم الحج. تساهم هذه الحلول في رفع كفاءة العمل، وتقليل استهلاك الموارد، وتحسين تجربة الزوار والحجاج.
خطوات مستقبلية واعدة
لتجاوز هذه التحديات، تعكف الجهات المختصة على إطلاق حملات توعية وطنية لتعزيز ثقافة التدوير لدى الأفراد، وتحديث القوانين المرتبطة بإدارة النفايات، وتقديم حوافز للمؤسسات التي تتبنى ممارسات صديقة للبيئة. كما أن هناك خطط للتوسع في بناء منشآت جديدة للتدوير في جميع المناطق، وتطوير شراكات مع جامعات ومراكز أبحاث لتقديم حلول تقنية مبتكرة في هذا المجال.
تمثل مشاريع إعادة التدوير في السعودية نموذج طموح للتحول نحو اقتصاد أكثر استدامة، قائم على الكفاءة في استخدام الموارد وتقليل النفايات وتعزيز المسؤولية البيئية. ومع التوسع في هذه المشاريع، واستمرار الدعم الحكومي، وارتفاع وعي المجتمع، يُتوقع أن تصبح السعودية في السنوات القادمة واحدة من الدول الرائدة عالميًا في تطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري. إعادة التدوير لم تعد مجرد خيار بيئي، بل أصبحت ركيزة اقتصادية استراتيجية في بناء مستقبل أخضر للمملكة.