السعودية الأولى عالمياً في الأمن السيبراني
في عصر تسوده التحولات الرقمية المتسارعة، بات الأمن السيبراني حجر الأساس في استقرار الدول، وحماية اقتصاداتها وضمان أمن مجتمعاتها. وفي هذا السياق، لم تعد المملكة العربية السعودية مجرّد دولة فاعلة في هذا المجال، بل أصبحت رائدة عالمي في الأمن السيبراني، بعدما تربعت على المرتبة الأولى وفق مؤشرات دولية رفيعة المستوى، أبرزها تقرير معهد IMD السويسري لعامي 2024 و2025، وتقييم الاتحاد الدولي للاتصالات ITU.
صدارة دولية مستحقة
أعلن معهد IMD العالمي في يونيو 2024 ومقره سويسرا، ضمن تقريره السنوي للتنافسية العالمية، عن تصدّر المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر الأمن السيبراني، متجاوزة دول متقدمة في المجال التقني مثل الولايات المتحدة وسنغافورة، وكوريا الجنوبية. وفي يوليو 2025، كررت المملكة هذا الإنجاز للعام الثاني على التوالي.
ولم تقتصر النجاحات على IMD، بل أكدها كذلك الاتحاد الدولي للاتصالات ITU، التابع للأمم المتحدة، حين منح السعودية درجة 100 من 100 في جميع محاور مؤشر الأمن السيبراني العالمي، لتُصنّف ضمن فئة الدول النموذجية، في إشارة إلى أنها تمثل مرجع يُحتذى به.
ما سر هذا التفوّق؟
إرادة سياسية واضحة ودعم مباشر من القيادة
منذ إطلاق رؤية المملكة 2030، كان واضح أن الأمن السيبراني سيكون أحد ركائز التحوّل الرقمي. وقد دعم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هذا المسار بقوة، عبر إنشاء مؤسسات متخصصة، واعتماد أنظمة وتشريعات حديثة، وتخصيص ميزانيات ضخمة لبناء بنية تحتية سيبرانية متينة.
الهيئة الوطنية للأمن السيبراني: عقل التخطيط والتنفيذ
تعد الهيئة الوطنية للأمن السيبراني (NCA) الذراع التنفيذية والاستراتيجية لجهود المملكة في هذا المجال. ومنذ تأسيسها، وضعت الهيئة أُطر تنظيمية وتشريعية شاملة، وأطلقت أكثر من 40 مبادرة نوعية خلال خمس سنوات فقط، شملت:
- الإطار الوطني للأمن السيبراني.
- برنامج تقييم الالتزام السيبراني للجهات الحكومية.
- إطلاق منصة وطنية لتبادل التهديدات السيبرانية.
- تطوير سياسات وطنية في مجال الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، وغيرها.
بناء القدرات البشرية: تأهيل جيل سعودي محترف
إدراكاً أنّ الأمن السيبراني لا ينجح بدون خبراء وطنيين، أطلقت المملكة الأكاديمية الوطنية للأمن السيبراني، بالشراكة مع كبريات الجامعات العالمية، إلى جانب كلية محمد بن سلمان للأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، التي أُسست عام 2018 بالتعاون مع جامعات مثل Stanford وCarnegie Mellon.
كما أطلقت الهيئة برامج تدريبية نوعية، مثل:
- برنامج "سايبر برو": لتأهيل المتخصصين.
- برامج مكثفة للقيادات السيبرانية النسائية.
- برامج الابتعاث السيبراني.
- تدريب طلاب الجامعات عبر مخيمات صيفية مكثفة.
والنتيجة: آلاف الخريجين والخبيرات والخبراء السعوديين يعملون الآن في الوزارات والشركات والمؤسسات، مسلحين بمعرفة وتقنيات على أعلى مستوى.
تعاون دولي وإقليمي موسع
بذلت السعودية جهود دبلوماسية سيبرانية موازية، فأنشأت منتدى الأمن السيبراني العالمي (GCF)، واستضافت دوراته بمشاركة مسؤولين من أكثر من 100 دولة. كما أطلقت تمارين سيبرانية مشتركة مع دول مثل الولايات المتحدة، كوريا الجنوبية ومصر وبريطانيا والهند.
على مستوى الخليج، بادرت السعودية إلى إنشاء لجنة وزارية خليجية للأمن السيبراني، بهدف تنسيق السياسات والدفاع الجماعي ضد التهديدات الإقليمية، وقيادة عمل مشترك في الأمن الرقمي.
تمكين المرأة في الأمن السيبراني
شكل تمكين النساء جزء أصيلًا من استراتيجية المملكة، إذ أطلقت الهيئة برامج خاصة لتأهيل المرأة السعودية في هذا القطاع، وتمّ تعيين أول قياديات سيبرانيات في الجهات الحكومية، كما تمثل المرأة اليوم نسبة متزايدة من الملتحقين بالتخصصات السيبرانية الجامعية.
ثالثاً: ما النتائج الملموسة لهذا النجاح؟
- تراجع عدد الهجمات السيبرانية ضد البنى التحتية الحكومية بنسبة تجاوزت 70% خلال عامين، بحسب تقارير محلية.
- رفع جاهزية المؤسسات الحكومية والخاصة من خلال اختبارات محاكاة الهجمات.
- تعزيز الثقة في الاقتصاد الرقمي السعودي، ما شجع الشركات العالمية على الاستثمار، خاصة في قطاعات التقنية المالية والتجارة الإلكترونية.
- تأمين منصات حكومية مثل "أبشر"، و"توكلنا"، و"صحتي"، بشكل يجعلها من بين أكثر المنصات أمان على مستوى الشرق الأوسط.
رابعاً: تحديات قادمة... واستعداد دائم
رغم هذا التقدم المذهل، تدرك السعودية أن الأمن السيبراني ليس حالة ثابتة، بل سباق مستمر ضد تطور التهديدات. ولهذا، تعمل المملكة حالياً على:
- تطوير منظومات أمن الذكاء الاصطناعي.
- تعزيز الأمن في المدن الذكية ومشاريع مثل نيوم وذا لاين.
- تحصين التقنيات الحديثة (البلوكتشين، العملات الرقمية، الواقع المعزز) من الاختراقات.
تصدّر السعودية لمؤشرات الأمن السيبراني هو شهادة عالمية على نجاعة نموذج متكامل يجمع بين الرؤية السياسية، والخطط المؤسسية، والاستثمار في الإنسان. وفي عالمٍ باتت فيه الحروب تُخاض بالشفرة البرمجية، أصبحت المملكة اليوم واحدة من أكثر الدول أمان ورقابة في الفضاء الرقمي.
ترسم الطريق، وتشارك خبراتها وتقود حوارات الأمن الرقمي على مستوى العالم. والسؤال لم يعد: "هل تستطيع السعودية أن تواكب التحديات السيبرانية؟" بل بات: "من يستطيع أن يواكب السعودية في هذا المجال؟