معرض "صنع في السعودية" في الرياض
في ظل التحولات الاقتصادية الكبرى التي تشهدها المملكة العربية السعودية ضمن رؤيتها الطموحة 2030، تتسارع الجهود لتطوير الصناعات الوطنية ورفع قيمة المنتجات المحلية في السوقين المحلي والدولي. وفي هذا السياق، يبرز معرض "صُنع في السعودية" كإحدى المبادرات الوطنية الرائدة، التي تسعى إلى تعزيز مكانة المنتج السعودي وإبرازه كلاعب رئيسي في الاقتصاد العالمي.
من هنا إلى العالم
تنطلق النسخة الثالثة من معرض "صُنع في السعودية" في العاصمة الرياض خلال ديسمبر 2025، تحت شعار "من هنا إلى العالم". يعكس هذا الشعار الرؤية الاستراتيجية التي يتبناها المعرض في دعم المنتج الوطني، وتحقيق حلم تحويل السعودية إلى منصة صناعية عالمية لا تقتصر منتجاتها على السوق المحلي فقط، بل تصل إلى مختلف أسواق العالم.
المعرض يقام في مركز الرياض الدولي للمؤتمرات والمعارض، يشارك فيه المصنعين السعوديين ورواد الأعمال والمستثمرين، ويتيح الفرصة للتعريف بالمنتجات والخدمات الوطنية، وبناء شراكات استراتيجية تسهم في توسيع آفاق الصناعة السعودية.
برنامج "صُنع في السعودية".. خلفية المبادرة
معرض "صُنع في السعودية" يأتي كامتداد للمبادرة الوطنية التي تحمل نفس الاسم، والتي أطلقتها هيئة تنمية الصادرات السعودية في مارس 2021، تحت مظلة برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (ندلب).
الهدف من هذه المبادرة هو زيادة الوعي بالمنتجات والخدمات الوطنية، وتقديمها بصورة احترافية قادرة على منافسة المنتجات العالمية. وقد حققت المبادرة في فترة قصيرة إنجازات ملموسة، حيث وصل عدد الشركات المسجلة ضمن البرنامج إلى أكثر من 3350 شركة سعودية، تقدم أكثر من 18 ألف منتج يحمل علامة "صُنع في السعودية".
هذا النمو اللافت يعكس مدى الاهتمام الحكومي والخاص بدعم الصناعات الوطنية، وتعزيز قدراتها التنافسية في ظل توجه المملكة لتنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط.
أهداف معرض "صُنع في السعودية"
معرض "صُنع في السعودية" لا يقتصر على كونه منصة لعرض المنتجات فحسب، بل يتعدى ذلك ليكون ملتقى صناعي واستثماري متكامل يخدم عدة أهداف استراتيجية:
تعزيز ثقة المستهلك بالمنتج المحلي
من خلال تسليط الضوء على جودة وتنوع المنتجات الوطنية، يساهم المعرض في تغيير الصورة النمطية لدى البعض حول الصناعة المحلية، ويؤكد أن المنتج السعودي قادر على منافسة نظيره المستورد من حيث الجودة والسعر.
توسيع فرص التصدير
المعرض يستهدف فتح قنوات تصدير جديدة أمام الشركات الوطنية، وربطها بالمستوردين والموزعين الدوليين، ما يساهم في زيادة الحصص السوقية للمنتجات السعودية في الأسواق العالمية.
خلق فرص استثمارية
الحدث يتيح للمستثمرين المحليين والدوليين فرصة التعرف على القطاع الصناعي السعودي عن قرب، والتواصل مع الشركات الوطنية، ما يسهم في جذب الاستثمارات الصناعية الجديدة.
تحفيز الابتكار والتقنية
في النسخ السابقة، تم تدشين علامة فرعية باسم "تقنية سعودية"، لتشجيع الشركات التقنية الناشئة ودفعها إلى إبراز ابتكاراتها كجزء من الاقتصاد الصناعي المحلي.
نجاحات النسخ السابقة
النسختان السابقتان من معرض "صُنع في السعودية" شهدتا نجاح كبير، وهو ما شجّع المنظمين على تطوير المعرض عام بعد عام.
- في النسخة الثانية، استقطب المعرض أكثر من 72 ألف زائر،
- وشاركت فيه أكثر من 120 جهة من القطاعين العام والخاص،
- ووقعت خلاله 61 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات مختلفة كالتصدير وتوطين الصناعات، ما يدل على حجم الزخم الذي يحمله هذا الحدث.
الفئة الذهبية والتقدير الصناعي
من النقاط اللافتة في النسخ السابقة من المعرض، إطلاق "الفئة الذهبية"، وهي مبادرة لتكريم الشركات السعودية التي حققت أداء متميز في الصناعة، وساهمت في تعزيز قيمة المنتجات الوطنية. وقد تم تكريم 16 شركة ضمن هذه الفئة، تأكيداً على أن التميز الصناعي جزء من هوية السعودية الجديدة.
مشاركة واسعة من جميع القطاعات
المعرض لا يقتصر على قطاع معين، بل يفتح أبوابه لكل القطاعات الصناعية والتقنية والخدمية، بما في ذلك:
- الصناعات الغذائية
- الصناعات الدوائية والطبية
- الصناعات الثقيلة
- قطاع الطاقة
- الصناعات العسكرية
- التقنية والابتكار
- قطاع البناء والتشييد
- الخدمات اللوجستية
هذا التنوع يعكس صورة الاقتصاد السعودي الذي يسعى إلى الخروج من عباءة النفط، والانطلاق نحو اقتصاد متنوع ومستدام.
انعكاسات على الاقتصاد الوطني
إن إقامة هذا المعرض يتماشى مع توجهات رؤية 2030، التي تسعى إلى رفع نسبة المحتوى المحلي، وزيادة الصادرات غير النفطية.
ووفق التقارير الرسمية، فإن صادرات المملكة غير النفطية حققت نمو لافت خلال السنوات الأخيرة، حيث سجلت نسبة كبيرة من هذه الصادرات من منتجات الشركات المشاركة في برنامج "صُنع في السعودية".
المنتجات الوطنية اليوم تجد طريقها إلى أسواق أوروبا وآسيا وأفريقيا، في مجالات متنوعة تمتد من المواد الغذائية، إلى التقنيات الرقمية، إلى الصناعات الثقيلة.
التطلعات المستقبلية
في نسخته الثالثة، يسعى معرض "صُنع في السعودية" إلى تحقيق أرقام قياسية جديدة من حيث عدد الزوار، الشركات المشاركة، والاتفاقيات الموقعة. كما يعمل المنظمون على:
- التوسع في المشاركات الدولية.
- استضافة منتديات صناعية متخصصة.
- تقديم ورش عمل وجلسات نقاش حول مستقبل الصناعة السعودية.
- تنظيم لقاءات بين المصنعين والمستوردين لتسهيل التصدير.
"صُنع في السعودية" هو مشروع وطني متكامل يرسم ملامح اقتصاد سعودي جديد، يعتمد على الصناعة والتقنية والتصدير، وليس فقط على النفط.
من الرياض، ينطلق هذا المعرض ليحمل رسالة واضحة:
"منتجنا المحلي يستحق مكانته في الأسواق العالمية".
وتبقى هذه الفعالية منصة حقيقية لتحقيق ذلك، وبناء مستقبل صناعي مشرق يليق بمكانة المملكة كقوة اقتصادية صاعدة.