المملكة العربية السعودية تصدر قرار يسمح بتملك العقارات للجنسيات غير السعودية
أعلنت المملكة العربية السعودية في شهر يوليو 2025 في تحول تاريخي كبير لطالما طال انتظاره، عن قرار يسمح لغير السعوديين بتملك العقارات في المملكة، حيث وافق مجلس الوزراء على القرار ضمن خطتهم لتحقيق رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ويمثل هذا القرار نقلة نوعية في المسار الاقتصادي للمملكة العربية السعودية، حيث سيكون القرار خطوة نحو تنويع مصادر الدخل وجذب الاستثمارات العقارية التي تساعد على التنمية الحضارية وتقلل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل في المملكة.
خلفية القرار: من المنع إلى الانفتاح
لطالما كان تملك العقارات في المملكة محصور بالمواطنين السعوديين، مع استثناءات محدودة جداً للأجانب المقيمين أو المستثمرين ضمن مشاريع خاصة وبموافقات صارمة. ومع تسارع التحولات في الاقتصاد السعودي خلال السنوات الأخيرة، أصبحت الحاجة ملحة لإعادة النظر في هذا النظام، خاصة مع ارتفاع حجم الطلب على الإسكان، وظهور مشاريع تنموية كبرى في مدن مثل الرياض وجدة والدمام ونيوم.
وفي 8 يوليو 2025، صدر القرار الرسمي الذي يتيح للأجانب، من مختلف الجنسيات تملك العقارات وفق ضوابط محددة ستُعلن لاحقاً عبر اللوائح التنفيذية. وقد تم تكليف "الهيئة العامة للعقار" بوضع هذه الضوابط خلال 180 يوماً من تاريخ القرار.
ما الذي يتضمنه القرار؟
وفق ما أعلنته الجهات الرسمية، فإن النظام الجديد سيسمح للأفراد غير السعوديين، وكذلك الشركات الأجنبية، بتملك العقارات السكنية والتجارية والصناعية في مناطق معينة داخل المملكة. ويُنتظر أن تشمل هذه المناطق في المرحلة الأولى كلّاً من الرياض وجدة، على أن يتم التوسع ليشمل مناطق أخرى.
أما فيما يتعلق بالمناطق ذات الخصوصية الدينية، مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة فإن القرار يفرض قيود خاصة، يُشترط فيها أن يكون التملك ضمن مشاريع تطوير معتمدة، ولفئة محددة من المسلمين، ووفق ترخيص خاص من الجهات المختصة.
أهداف القرار: أكثر من مجرد بيع عقارات
هذا التحول الجذري في السياسة العقارية السعودية لا يهدف فقط إلى بيع العقارات للأجانب، بل يأتي كجزء من رؤية أوسع تسعى إلى:
- جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع العقارات والبنية التحتية والمشاريع الكبرى.
- رفع وفرة المعروض العقاري وبالتالي دعم جهود الدولة في معالجة أزمة الإسكان وتقليل الأسعار.
- تحفيز قطاع التطوير العقاري من خلال دخول شركات تطوير عالمية تقدم معايير جديدة في الجودة والتصميم.
- زيادة مساهمة القطاع العقاري في الناتج المحلي، بما يتماشى مع أهداف رؤية 2030 لرفع مساهمة القطاع غير النفطي.
كيف سيؤثر القرار على السوق العقاري المحلي؟
من المتوقع أن يُحدث القرار قفزة نوعية في السوق العقاري السعودي على عدة مستويات:
- تنوع الطلب: دخول المستثمر الأجنبي سيضيف نوع جديد من الطلب، لا يعتمد على العوامل المحلية فقط، بل على الرؤية الخارجية للمملكة كمركز اقتصادي وسياحي عالمي.
- ارتفاع في جودة المشاريع: من خلال منافسة المطورين العالميين، سيضطر السوق المحلي إلى تحسين جودة البناء، والتصميم، والبنية التحتية، بما يتناسب مع توقعات المستثمر الدولي.
- استقرار في الأسعار على المدى البعيد: مع رفع المعروض وزيادة فرص التملك، قد تؤدي هذه الإجراءات إلى تحقيق نوع من التوازن في أسعار العقارات، خاصةً في المدن الكبرى.
الضوابط والاشتراطات المنتظرة
حتى لحظة كتابة هذا المقال، لم تُعلن اللائحة التنفيذية بشكل مفصل، ولكن من المرجح أن تتضمن عدد من الاشتراطات التي تضمن حماية السوق المحلي وتوجيه التملك نحو الاستثمار طويل الأجل، مثل:
- شرط إقامة نظامية داخل المملكة أو تسجيل الشركة لدى وزارة الاستثمار.
- قيمة حد أدنى للعقار المراد تملكه.
- مدة تملك لا تقل عن 5 سنوات قبل إعادة البيع.
- الحصول على موافقة من وزارة الداخلية أو الجهات الأمنية للمناطق الحساسة.
- تسجيل العقارات تحت نظام إلكتروني موحد يضمن الشفافية.
ماذا عن المواطنين؟ هل سيتضررون؟
من الأسئلة التي أثارت جدل واسع بعد الإعلان عن القرار: هل سيتسبب السماح للأجانب بتملك العقارات في رفع الأسعار وإضعاف قدرة المواطنين على الشراء؟
الرد الرسمي من الحكومة كان واضح:
لن يكون هناك تأثير سلبي على المواطنين، بل سيتم وضع آليات رقابية صارمة، وضوابط تمنع أي تضخم غير منطقي في الأسعار. كما أن السماح للأجانب بالتملك لن يكون مفتوح بالكامل، بل سيخضع لتقييم المناطق، وعدد العقارات المسموح بها، ونوع النشاط العقاري.
والأهم أن جزء من الإيرادات الناتجة عن عمليات البيع للأجانب قد يُعاد توجيهه نحو دعم برامج الإسكان للمواطنين، مثل برنامج "سكني" وغيره من المبادرات.
أبعاد إقليمية ودولية
يُعد هذا القرار جزء من منافسة إقليمية بين دول الخليج لجذب الاستثمارات العقارية والسياحية. فالإمارات وقطر والبحرين سبق وأن فتحت أبوابها لتملك الأجانب، وهذا ساعدها على تنشيط أسواقها العقارية وتوفير بيئات استثمارية جذابة.
لكن ما يُميز السعودية في هذا السياق، هو حجم السوق المحلي الهائل، وسرعة النمو الاقتصادي، والمشاريع العملاقة مثل نيوم والقدية والبحر الأحمر. هذه العوامل تجعل من السعودية وجهة استثمارية عقارية فريدة من نوعها، وتضعها في موقع تنافسي عالمي.
ردود الفعل الأولية
لقي القرار ترحيب واسع من قبل رجال الأعمال والمطورين العقاريين، الذين رأوا فيه فرصة ذهبية لتنشيط السوق ورفع جودة المنتج العقاري. كما أشادت وسائل الإعلام الدولية بهذه الخطوة، واعتبرتها نقطة تحول رئيسية في مسيرة انفتاح السعودية، إلى جانب قرارات أخرى مثل التأشيرات السياحية وتمكين المرأة والسماح بالحفلات والمهرجانات.
في المقابل، أثار القرار بعض المخاوف في أوساط المجتمع المحلي، خاصة من حيث قدرة المواطن على المنافسة، ومخاوف من سيطرة رؤوس الأموال الأجنبية على السوق العقاري. إلا أن التطمينات الحكومية، والضوابط المنتظرة، قد تلعب دور مهم في تهدئة هذه المخاوف.
قرار المملكة العربية السعودية بالسماح بتملك الأجانب للعقارات هو رسالة واضحة للعالم بأن السعودية منفتحة ومرنة ومستعدة للعب دور قيادي في الاقتصاد العالمي.
ومع اقتراب عام 2030، تبدو المملكة أكثر تصميم من أي وقت مضى على تجاوز التحديات، وتحقيق قفزات نوعية في قطاعات الاقتصاد والسياحة والاستثمار. ويبقى نجاح هذا القرار مرهون بتطبيقه الحكيم، ومراقبته الدقيقة، وتكامل الرؤية بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع.