مدينة الملك سلمان للطاقة

 

تبرز مدينة الملك سلمان للطاقة كمشروع اقتصادي استراتيجي رائد يمثّل طموح المملكة العربية السعودية في تحقيق رؤية 2030 وذلك ضمن التحول الشامل الذي تشهده المملكة في قطاعات الطاقة والخدمات اللوجستية والصناعية، حيث تعتبر مدينة الملك سلمان منظومة متكاملة لخدمة قطاع الطاقة في جميع مراحله وتخصصاته والمساهمة في فتح أبواب كبيرة للاستثمار وفرص العمل والابتكار.

 

 

الموقع الاستراتيجي والبنية التحتية

تقع مدينة الملك سلمان للطاقة في المنطقة الشرقية للمملكة تحديداً بين الدمام والأحساء، بالقرب من مقر شركة أرامكو السعودية، التي تعتبر أحد أعمدة الاقتصاد الوطني. كما يمتاز موقعها بارتباطه الحيوي بالبنية التحتية اللوجستية، وذلك لقربها  من شبكة السكك الحديدية الخليجية والموانئ البحرية، لذا تعتبر نقطة وصل مثالية بين الصناعات المحلية والعالمية.

تمتد المدينة على مساحة تقارب 50 كيلومتر مربع، ويُنفذ المشروع على ثلاث مراحل رئيسية. بدأت المرحلة الأولى في عام 2018 وشملت تجهيز البنية التحتية للمناطق الصناعية واللوجستية، إضافةً إلى المرافق الإدارية والتجارية. وقد اكتملت هذه المرحلة بنسبة كبيرة بحلول عام 2021،  وتم تمهيد الطريق أمام دخول الشركات العالمية للاستثمار والعمليات.

 

رؤية المشروع وأهدافه الاستراتيجية

تنبع أهمية مشروع مدينة الملك سلمان من كونها جزء جوهري من رؤية 2030 التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل، وتنمية قطاعات جديدة توفر فرص اقتصادية مستدامة. وتسعى المدينة إلى تحقيق عدد من الأهداف الحيوية:

  • توطين الصناعات والخدمات المرتبطة بقطاع الطاقة.
  • جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية في مجالات التصنيع والتدريب والخدمات اللوجستية.
  • توفير فرص عمل نوعية للمواطنين السعوديين.
  • دعم الابتكار والتقنيات الحديثة في مجالات الطاقة التقليدية والمتجددة.

ومن خلال هذه الأهداف، تسعى المدينة إلى تعزيز مكانة المملكة كمركز عالمي لصناعات الطاقة، بما في ذلك النفط والغاز والطاقة المتجددة، إلى جانب دعم الصناعات التكميلية والخدمات اللوجستية المرتبطة بها.

 

المكونات الرئيسية للمدينة

تضم مدينة الملك سلمان للطاقة مجموعة متكاملة من المناطق والمرافق المصممة لتخدم مختلف جوانب سلسلة القيمة في قطاع الطاقة:

المنطقة الصناعية

تُعد القلب النابض للمدينة، وتضم خمسة تجمعات رئيسية متخصصة:

  • تجمع المواد الفلزية.
  • تجمع الخدمات الصناعية.
  • تجمع المعدات الكهربائية.
  • تجمع خدمات الحفر والاستخراج.
  • تجمع التصنيع الميكانيكي.

تهدف هذه التجمعات إلى توفير بيئة متكاملة تسهّل الإنتاج والتعاون بين الشركات وتزيد من كفاءة سلسلة التوريد.

المنطقة اللوجستية

تحتوي على ميناء جاف مرتبط بسكة الحديد، قادر على مناولة أكثر من 8 ملايين طن سنوياً، وهذا ما يعزز كفاءة نقل البضائع بين المدينة وموانئ المملكة والخليج العربي.

منطقة الأعمال والخدمات

تضم مراكز إدارية وتجارية وفندقية، ومساحات مكتبية عالية التجهيز، إلى جانب مراكز تدريب وتأهيل مهني، تهدف إلى تطوير الكفاءات الوطنية لتلائم احتياجات سوق الطاقة.

المنطقة السكنية

توفر بيئة متكاملة للعيش، تشمل نحو 15,000 وحدة سكنية من شقق وفيلات، بالإضافة إلى مرافق ترفيهية وتعليمية وصحية لضمان جودة الحياة للعاملين بالمدينة وأسرهم.

 

الابتكار والاستدامة

تفتخر مدينة الملك سلمان للطاقة بأنها أول مدينة صناعية في العالم تحصل على شهادة LEED الفضية في مجال الطاقة والتصميم البيئي، وهو ما يؤكد التزامها بتبني معايير الاستدامة في التخطيط والبناء. وتشمل المبادرات البيئية في المدينة استخدام الطاقة المتجددة، أنظمة ذكية لإدارة المياه والنفايات، وتخطيط عمراني يقلل من البصمة الكربونية.

كما توفر المدينة حاضنات أعمال ومراكز للبحث والتطوير، وخلق مناخ للابتكار والمساهمة في تطوير تقنيات جديدة في مجالات الطاقة الذكية والرقمنة الصناعية وتحسين كفاءة الإنتاج.

 

الإنجازات والتقدم الملموس

منذ انطلاق المشروع، تمكنت سبارك من استقطاب أكثر من 60 شركة محلية ودولية، بينها شركات كبرى مثل شلمبرجير، وبيكر هيوز، وهاليبرتون، وغيرها. وقد وقّعت المدينة العديد من اتفاقيات الاستثمار والشراكة مع كيانات دولية، وبلغت قيمة الاستثمارات المبدئية أكثر من 3 مليارات دولار.

ويُتوقع أن تُحدث المدينة تحولًا نوعيًا في الاقتصاد السعودي بحلول عام 2035 من خلال:

 

  • توفير أكثر من 100,000 وظيفة مباشرة وغير مباشرة.
  • المساهمة بما يزيد عن 22.5 مليار ريال سعودي سنويًا في الناتج المحلي الإجمالي.
  • دعم مسيرة توطين 70% من قطاع الطاقة والخدمات المرتبطة به.

التحديات والفرص المستقبلية

رغم النجاح الذي تحققه سبارك، إلا أن المشروع يواجه تحديات تتعلق بتسريع وتيرة التوطين، واستقطاب الكفاءات السعودية المؤهلة، والحفاظ على تنافسية المدينة على المستوى العالمي. ومع ذلك، فإن الفرص المتاحة واعدة، خاصة في ظل الدعم الحكومي الكبير، والشراكات مع كبرى الشركات والتحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، حيث يمكن للمدينة أن تكون منصة أساسية لتطوير مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.

 

تعد مدينة الملك سلمان للطاقة أكثر من مجرد مشروع تنموي إنها خطوة استراتيجية نحو مستقبل صناعي متنوع ومستدام للمملكة. تجد في المدينة الابتكار والبنية التحتية الحديثة، والفرص الاقتصادية الضخمة، وهي منصة مثالية لتحقيق الأهداف الطموحة لرؤية 2030. وبينما تواصل المملكة سعيها للتحول إلى قوة صناعية عالمية، ستظل سبارك واحدة من أعمدة هذا التحول، ومصدر إلهام لنموذج المدن الصناعية الذكية والمستدامة.