مهرجان شتاء طنطورة

 

ملف شتاء طنطورة الذي يقام وسط صحراء العلا، المكان الذي تتداخل فيه الصخور الذهبية مع روائح التاريخ، أصبح كل سنة علامة فارقة تعكس روح السعودي الحديث. المهرجان تجاوز كونه مجرد موسم، وصار منصة عالمية تبرز الطموح السعودي الذي يربط بين الأصالة والحداثة، وبين الترفيه الراقي والمحافظة على تراث الأجداد. بالمقال هذا، سنتعرف على تفاصيل أكبر عن شتاء طنطورة، ونرى كيف ملامحه ورسالته وآثاره تغير خريطة الثقافة عندنا وفي العالم.

 

 

ما هو شتاء طنطورة؟

شتاء طنطورة نفسه مهرجان ثقافي وفني متكامل يقام كل سنة في العلا، شمال غرب السعودية، ضمن موسم السعودية. المهرجان بدأ لأول مرة ديسمبر 2018، ومدّ لفترة طويلة، وقدم خليط فعاليات محلية وعالمية مزجت التراث مع الفن والموسيقى والرياضة وفنون الطهي. جاء المهرجان ضمن خطة رؤية السعودية 2030 التي هدفها جعل المملكة مقصد سياحي وثقافي معروف.

 

معنى "طنطورة"

اسم "طنطورة" مستوحى من علامة أثرية شهيرة بالعلا، وهي ساعة شمسية استخدمها السكان القدامى لتحديد بدايات الفصول، خصوصاً بداية الشتاء وموسم الزراعة. الاسم جديد يحمل دلالة تربط بين الزمن والمكان والعلم والفن، وكأن المهرجان يقول للزوار إن الناس هنا زمان عرفوا كيف يراقبون السماء ويربطون بين الزراعة والأعياد. العاصمة للعلا: المسرح الطبيعي للمهرجان قبل أن نغوص في تفاصيل الجداول والعروض.

 

مدينة العلا: مسرح المهرجان

قبل أن نغوص في تفاصيل المهرجان، لا بد من الحديث عن العلا، هذه المدينة التاريخية العريقة التي تحتضن المهرجان. تقع العلا على طريق البخور القديم، وكانت مركز تجاري وثقافي هام لحضارات مثل الأنباط واللحيانيين. تضم العلا آثار مذهلة، أبرزها موقع الحِجر (مدائن صالح)، أول موقع سعودي يُدرج ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. الطبيعة في العلا جزء من التجربة، فالتضاريس الصحراوية الخلابة والمناخ الشتوي المعتدل يشكلان بيئة مثالية للفعاليات المفتوحة.

الفعاليات الفنية: من بوتشيلي إلى أم كلثوم

يتميّز مهرجان شتاء طنطورة بتقديم حفلات موسيقية على أعلى مستوى، تُقام في مسرح "مرايا"، وهو صرح معماري مغطى بالكامل بالمرايا، عاكساً جمال الطبيعة من حوله. وقد استضاف المسرح فنانين عالميين مثل:

  • أندريا بوتشيلي – التينور الإيطالي الأشهر عالميًا.
  • ياني – الموسيقي اليوناني ذو القاعدة الجماهيرية الواسعة.
  • لانغ لانغ – عازف البيانو الصيني الشهير.
  • أسطورة الفلامنكو Paco Peña.

إضافة إلى الحفلات العربية مثل:

  • حفلات تكريم أم كلثوم عبر تقنية الهولوجرام.
  • حفلات لمحمد عبده، ماجدة الرومي، كاظم الساهر وغيرهم.

تلك العروض الموسيقية كانت وسيلة للتقريب بين الثقافات، وإبراز مدى قدرة السعودية على تنظيم أحداث تضاهي المهرجانات العالمية.

 

الرياضة والتراث: سباق الخيل والمناطيد

إلى جانب الفن، يقدّم المهرجان فعاليات رياضية من نوع خاص، أبرزها:

  • سباق القدرة والتحمّل على الخيول، والذي يُعد أحد أبرز سباقات الخيل في العالم، بمشاركة نخبة من الفرسان العالميين على مسافة تتجاوز 100 كلم.
  • مهرجان المناطيد، حيث تملأ مئات المناطيد سماء العلا في مشهد فريد، يمكّن الزوّار من مشاهدة المعالم الأثرية من الأعلى.
  • مسارات المشي والتسلق وركوب الدراجات الجبلية، وهي من الأنشطة التي تعزز من فكرة السياحة البيئية المستدامة.

العروض الثقافية والمسرحية

يحمل المهرجان طابع ثقافي محلي عبر عروض مستوحاة من التراث السعودي، مثل:

  • مسرحيات درامية تعيد إحياء القصص العربية الشهيرة مثل جميل وبثينة.
  • عروض الضوء والصوت في المواقع الأثرية مثل "الحِجر"، التي تجمع بين السرد البصري والتاريخ.
  • الأسواق التراثية التي تتيح للزوار تجربة الحِرف اليدوية والطهي المحلي.

تجربة الطهي والنكهات العالمية

الطعام جزء لا يتجزأ من تجربة شتاء طنطورة. المهرجان يستضيف طهاة عالميين حائزين على نجوم ميشلان لتقديم قوائم طعام مستوحاة من بيئة العلا، بجلسات عشاء تُقام في قلب الصحراء وتحت النجوم، وسط أجواء ساحرة. كما تتاح تجارب الطهي الشعبي، وسوق تذوق الأكلات النجدية والحجازية.

 

البعد السياحي والثقافي للمهرجان

شتاء طنطورة مشروع عالمي يستقطب آلاف الزوار من داخل المملكة وخارجها. ويُعد ركيزة أساسية في تحويل العلا إلى وجهة ثقافية وسياحية مستدامة، تجمع بين التعليم، الترفيه، والحفاظ على التراث.

كما يعكس المهرجان انفتاح السعودية على الفنون العالمية، وحرصها على تقديم منتج ثقافي متميز يجمع بين الجودة والهوية.

 

الأثر الاقتصادي والاجتماعي

ساهم المهرجان في تنشيط الاقتصاد المحلي، من خلال:

  • توفير فرص عمل للسكان المحليين.
  • دعم الحرفيين والفنانين السعوديين.
  • تشجيع الاستثمار في البنية التحتية والفنادق والنقل.
  • تعزيز صورة السعودية كدولة منفتحة ثقافياً وسياحياً.

مرايا: الأيقونة المعمارية

مسرح "مرايا" هو معجزة هندسية حقيقية. دخل المسرح موسوعة غينيس كأكبر مبنى مغطى بالمرايا في العالم. ويتميز بتصميمه البيئي المتناغم مع تضاريس العلا، مما يجعله جزء لا يتجزأ من تجربة المهرجان.

 

مستقبل شتاء طنطورة

المهرجان مستمر في التطور، وتزداد فعالياته عام بعد عام. ومع دعم الهيئة الملكية لمحافظة العلا، والجهات الرسمية، فإن شتاء طنطورة مرشح ليكون أحد أهم المهرجانات الثقافية في الشرق الأوسط، وربما العالم.

 

إن مهرجان شتاء طنطورة تجسيد لرؤية ثقافية متكاملة ترى في الماضي ركيزة للمستقبل، وتوظّف الفن والتراث والحداثة في خدمة الإنسان والمكان. من العلا إلى العالم، يُثبت شتاء طنطورة أن الثقافة يمكن أن تكون جسرًا للسلام، أداة للتنمية، ومنصة للجمال الذي يجمعنا كبشر.