أكبر الاستثمارات السعودية العالمية في الخارج

 

يتمتع صندوق الاستثمارات العامة السعودي بدور محوري في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 من خلال تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط. يعكس نشاط الصندوق التزام المملكة بتعزيز شراكتها العالمية وتطوير اقتصاد أكثر تنوع ومرونة، بما يسهم في تعزيز مكانتها على الساحة الدولية. وفي هذا السياق، تبرز استثماراته الخارجية كأداة فعّالة لتحقيق هذه الأهداف، إذ تنتشر في قطاعات متعددة تشمل التكنولوجيا، النقل، الصحة، التجزئة، الضيافة، الرياضة وغيرها من المجالات ذات القيمة الاستراتيجية العالية.

 

 

الدور والأهمية الاقتصادية لصندوق الاستثمارات العامة

منذ تأسيسه، أصبح صندوق الاستثمارات العامة من المحركات الرئيسية للاقتصاد السعودي، حيث يساهم بشكل مباشر في تطوير القطاعات غير النفطية، ويدعم السياسات الحكومية الرامية إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام. يمتلك الصندوق مجموعة من المحافظ الاستثمارية، تنقسم إلى ستة محافظ رئيسية؛ أربعة منها محلية واثنتان عالمية. وتغطي هذه المحافظ العديد من القطاعات الحيوية كالمشاريع الكبرى، وتطوير البنية التحتية، والاستثمار في الشركات السعودية، والاستثمارات العالمية الاستراتيجية.

يسعى الصندوق إلى توجيه استثماراته بعناية لتحقيق العوائد الاقتصادية المتنامية، مع التركيز على تمويل المشاريع التي تساهم في تنمية القطاعات الواعدة وتحقيق الأهداف التنموية للمملكة. إلى جانب دعمه لخلق فرص العمل، حيث تجاوز عدد الوظائف التي أوجدها بشكل مباشر وغير مباشر أكثر من 644 ألف فرصة، كما تُقدّر قيمة الأصول المدارة من قبل الصندوق بأكثر من 2.63 تريليون ريال سعودي.

يعتمد الصندوق في تمويل مشاريعه على أربعة مصادر رئيسية، وهي ضخ رؤوس الأموال من الحكومة، الأصول الحكومية التي تُحوَّل إليه، القروض، وأدوات الدين. ويتم توجيه هذه الموارد الاستثمارية إلى قطاعات حيوية متنوعة، مثل النقل، الخدمات اللوجستية، صناعة المركبات، الطيران والدفاع، الأغذية والزراعة، والترفيه والسياحة، إلى جانب الطاقة المتجددة، الرعاية الصحية، الاتصالات والتكنولوجيا، والبنية التحتية.

 

استثمارات قطاع النقل

يُعد قطاع النقل من المجالات التي يُوليها صندوق الاستثمارات العامة اهتمام كبير، حيث يسعى للاستثمار فيه بطرق تعزز من موقع المملكة كوجهة متقدمة في هذا القطاع. واحدة من أبرز استثمارات الصندوق في هذا المجال هي حصته في شركة "أوبر" الأمريكية لخدمات نقل الركاب، والتي بلغت قيمتها حوالي 3.5 مليار دولار، ما يمثل 3.75% من إجمالي أسهم الشركة، ليصبح الصندوق بذلك من أكبر خمسة مساهمين في الشركة.

لم تقتصر استثمارات الصندوق في النقل على "أوبر"، فقد استحوذ أيضاً على أكثر من 60% من أسهم شركة "لوسيد" للسيارات الكهربائية، التي تنافس بجدارة الشركات العالمية الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية. تأتي هذه الخطوة كجزء من استراتيجية الصندوق لتعزيز الابتكار والاستدامة في النقل، والتي تتماشى مع رؤية المملكة للتحول نحو الطاقة النظيفة. علاوة على ذلك، أطلق الصندوق في عام 2022 أول علامة تجارية للسيارات الكهربائية في المملكة تحت اسم "سير"، مما يعكس توجه السعودية نحو دعم صناعة السيارات الكهربائية.

 

استثمارات قطاع التجزئة

في خطوة لافتة نحو قطاع التجزئة المتنامي، استحوذ صندوق الاستثمارات العامة على حصة قدرها 2.04% في شركة "Reliance Retail Ventures Limited" الهندية، وهي من أكبر شركات التجزئة في الهند. بلغت قيمة هذا الاستثمار حوالي 1.3 مليار دولار عند إتمام الصفقة في نوفمبر 2020، ما يعكس حرص الصندوق على تنويع استثماراته الخارجية في الأسواق الواعدة.

ولتعزيز حضوره في قطاع الخدمات الرقمية، سبق للصندوق أن استحوذ على حصة 2.32% في "Jio Platforms"، وهي شركة تابعة لشركة "Reliance Industries" تقدم خدمات رقمية في الهند. كما امتدت استثمارات الصندوق في قطاع التجزئة إلى أسهم في شركتي "Alibaba" الصينية و"Walmart" الأمريكية، ما يعكس الرؤية الاستراتيجية للصندوق نحو الاستثمار في الشركات العالمية التي تتمتع بقاعدة عملاء واسعة وأسواق مستقرة.

 

استثمارات القطاع الصحي

مع الاهتمام المتزايد بالحلول الطبية الرقمية، قام صندوق الاستثمارات العامة بالاستثمار في شركة "Babylon Health" المتخصصة في تقديم الخدمات الصحية عبر تقنيات الطب عن بُعد. بلغت قيمة هذا الاستثمار نحو 550 مليون دولار في عام 2019، حيث تسعى "Babylon Health" إلى تقديم استشارات صحية ورعاية طبية غير تقليدية، مستفيدة من تطبيقات رقمية تسمح للمستخدمين بإجراء الفحوصات وإدارة الأمراض المزمنة عن بُعد.

تعكس هذه الاستثمارات رغبة الصندوق في تعزيز الابتكار الصحي وتوفير خدمات طبية مبتكرة تسهم في تحسين جودة الحياة، خاصةً في المناطق التي تفتقر إلى خدمات الرعاية الصحية التقليدية. ويعتبر هذا التوجه نحو الاستثمار في الصحة الرقمية جزءاً من استراتيجية المملكة الهادفة إلى تحسين الخدمات الصحية وجعلها أكثر وصولاً وفاعلية.

 

استثمارات قطاع الضيافة والفندقة

يعد قطاع الضيافة والفندقة من المجالات الواعدة التي يسعى صندوق الاستثمارات العامة لتوسيع استثماراته فيها، بهدف تعزيز تجربة الضيافة في المملكة وجذب الزوار والسياح من جميع أنحاء العالم. في هذا السياق، قام الصندوق في عام 2018 بالاستحواذ على حصة بقيمة 5.4 مليار دولار في مجموعة "AccorInvest"، والتي تعود ملكيتها لشركة "Accor" للفنادق. يشمل هذا الاستثمار حوالي 55% من أسهم الشركة، التي تمتلك وتدير  891  فندقاً في 27 بلداً، أغلبها في أوروبا.

 

استثمار الصندوق في نادي نيوكاسل يونايتد الانكليزي

تجسّد هذه الخطوة رغبة الصندوق في تحقيق أثر اجتماعي واقتصادي متنامي من خلال الرياضة، التي تعد أداة فعالة لجذب الجمهور الدولي وتعزيز الروابط الثقافية. كما يسعى الصندوق إلى تحقيق مكاسب اقتصادية من هذا الاستثمار عبر تحسين أداء النادي، مما يسهم في رفع قيمة الأصول وتعزيز العوائد التجارية، سواء من خلال حقوق البث التلفزيوني، أو الرعاية، أو زيادة قاعدة المشجعين والمتابعين حول العالم.

منذ الاستحواذ على النادي، حرص صندوق الاستثمارات العامة على تطوير الأداء الرياضي لنيوكاسل يونايتد من خلال تعزيز الهيكل الإداري للنادي، واستقطاب الكفاءات الفنية، واستثمار الموارد المالية في شراء لاعبين ذوي مهارات عالية، بهدف تحسين التنافسية العامة للفريق في الدوري الإنجليزي الممتاز. وقد انعكس هذا الاستثمار بشكل إيجابي على النادي، حيث بدأ في تحقيق نتائج أفضل في البطولات المحلية، وهذا زاد من شعبيته اهتمام الجماهير العالمية به.

 

الشراكات الدولية مع الصناديق الاستثمارية

يسعى صندوق الاستثمارات العامة إلى تعزيز التعاون مع صناديق الاستثمار العالمية، وفتح آفاق جديدة للاستثمارات المشتركة والمشاريع التنموية. ومن أبرز الشراكات التي قام بها الصندوق، تلك التي تجمعه بصندوق الاستثمار المباشر الروسي، حيث بلغت قيمة المشاريع المشتركة الموقعة مع الصندوق الروسي أكثر من 10 مليارات دولار منذ عام 2019. تتنوع هذه الاستثمارات لتشمل قطاعات عدة مثل التجزئة، التصنيع، البنية التحتية، والخدمات اللوجستية، مما يسهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

إلى جانب الشراكة مع روسيا، أعلن صندوق الاستثمارات العامة في أكتوبر 2019 خلال مبادرة "مستقبل الاستثمار" عن نيته استثمار نحو 10 مليارات دولار في البرازيل. وبدأ بالفعل الاستثمار في صندوقين للملكية الخاصة والبنية التحتية، مما يعكس توجّه الصندوق نحو استكشاف فرص استثمارية في الأسواق الناشئة وتوسيع نطاق أعماله في أمريكا اللاتينية.



يعمل الصندوق على مواصلة تطوير الشراكات مع الصناديق الاستثمارية الدولية واستكشاف الفرص الاستثمارية المتنوعة في مختلف المجالات، حيث يسهم هذا التوجه في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتوسيع الفرص الاستثمارية بما يتماشى مع الأهداف الاستراتيجية لصندوق الاستثمارات العامة وتوجهاته، وهو الأمر الذي يزيد من قيمته السوقية العالمية ويجعله أحد أهم الصناديق الاستثمارية التي تسعى كبرى الشركات العالمية إلى التعاون معه.