التحضيرات لاستضافة اكسبو 2030

 

حققت المملكة العربية السعودية في نوفمبر 2023 إنجاز تاريخي بفوزها باستضافة المعرض العالمي "إكسبو 2030" في العاصمة الرياض. ويُعد هذا الحدث أحد أهم الفعاليات العالمية التي تجمع تحت سقف واحد الحكومات والشركات والمبتكرين والمجتمعات لعرض الحلول المستقبلية للتحديات المشتركة.

تُقام فعاليات المعرض لمدة 6 أشهر، من 1 أكتوبر 2030 حتى 31 مارس 2031، تحت شعار "استشراف المستقبل"، عبر ثلاث ركائز رئيسية: التكنولوجيا التحويلية والحلول المستدامة وازدهار الشعوب.

 

 

استثمارات استراتيجية تعيد تشكيل الرياض

خصّصت السعودية ميزانية ضخمة تُقدّر بنحو 7.8 مليار دولار لإنشاء البنية التحتية اللازمة للمعرض. وتمضي المملكة بخطى متسارعة نحو تنفيذ خطة شاملة تتكامل مع رؤية السعودية 2030، إذ يُتوقع أن يسهم المعرض بشكل مباشر في تنشيط الاقتصاد الوطني، وخلق عشرات الآلاف من فرص العمل، ورفع مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي.

كما أُطلقت حزمة دعم للدول المشاركة بقيمة تتجاوز 340 مليون دولار، بهدف تمكين أكثر من 100 دولة من بناء أجنحتها والمشاركة بفعالية في هذا الحدث الدولي.

 

موقع استثنائي وتصميم معماري فريد

يقع موقع إكسبو في شمال مدينة الرياض، ويمتد على مساحة تتجاوز 6 ملايين متر مربع، منها 2 مليون متر مربع مخصصة للمنطقة المغلقة للمعرض. يتضمن التصميم العام للموقع 226 جناح كروي موزعان وفق مفهوم "خط الاستواء الرمزي"، حيث تمثل كل دولة جناح يعكس ثقافتها وحلولها المبتكرة.

ويحوي الموقع معالم معمارية رمزية، من بينها ساحة مركزية تحيط بها أعمدة تمثل الدول المشاركة، في دلالة على الالتزام الجماعي تجاه مستقبل كوكب الأرض. وقد تم تصميم المعرض ليكون قابلاً للتحول بعد انتهائه إلى "قرية عالمية" تحتضن الابتكار والفنون وريادة الأعمال.

 

بنية تحتية ذكية تعزز تجربة الزوار

استعداداً لاستقبال ما يزيد عن 40 مليون زائر، يجري العمل على تطوير متكامل للبنية التحتية في الرياض. تم ربط موقع المعرض بشبكة مترو الرياض، وتحديث منظومة الطرق والممرات، إلى جانب إنشاء مساحات خضراء ومرافق عامة ذكية.

كما يجري تطوير مطار الملك سلمان الدولي في الرياض ليرتفع عدد المسافرين المستوعبين إلى 120 مليون زائر سنوياً، بما يتوافق مع حجم الإقبال المتوقع خلال فترة إكسبو وما بعدها.

 

قفزة نوعية في القطاع الفندقي والسياحي

ضمن خطة الاستعداد للمعرض، تعمل المملكة على رفع الطاقة الاستيعابية للفنادق في العاصمة، عبر بناء عشرات الآلاف من الغرف الجديدة في مختلف المستويات، بدءاً من الفنادق الفاخرة إلى خيارات الإقامة الاقتصادية.

كذلك تم اعتماد نموذج تشغيلي متكامل لتجربة الزائر، يشمل تسهيل إصدار التأشيرات وإطلاق بطاقة إكسبو الموحدة التي تتيح الدخول إلى فعاليات متعددة والاستفادة من العروض الترفيهية والثقافية والرياضية المرافقة.

 

معرض أخضر.. من الفكرة إلى التنفيذ

تسعى المملكة لأن يكون معرض إكسبو 2030 أول معرض عالمي محايد للكربون. ولتحقيق ذلك، يجري العمل على دمج مصادر الطاقة المتجددة في تشغيل الموقع، وتطبيق تقنيات إدارة النفايات الذكية، وتعزيز التنوع البيولوجي في البيئة المحيطة.

المعرض جزء من مبادرة "الرياض الخضراء"، وهي إحدى المبادرات الكبرى لرؤية السعودية 2030، والتي تهدف إلى رفع نسبة المساحات الخضراء في المدينة من 1.5% إلى أكثر من 9%.

 

الابتكار والتحول الرقمي في قلب التجربة

تم دمج أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا في تخطيط المعرض، حيث سيُعتمد على أنظمة الذكاء الاصطناعي، وسلاسل الكتل (Blockchain) في عمليات التذاكر والمعاملات، كما سيتم تقديم نماذج محاكاة افتراضية و"توائم رقمية" تتيح التفاعل مع الزوار حتى قبل دخولهم للموقع الفعلي.

كما سيشمل المعرض تجارب واقع افتراضي، وتفاعلات تعليمية مبتكرة، وساحات تتيح للزوار التعرف على حلول مستقبلية في قطاعات متعددة مثل الطاقة، الغذاء، البيئة، النقل، والصحة.

 

جدول زمني دقيق للتنفيذ

تم التخطيط للمعرض وفق جدول زمني محكم:

2025–2027: تنفيذ مشاريع البنية التحتية وتهيئة الموقع.

2028–2029: بدء بناء الأجنحة وتجهيز المرافق.

2029: الانتهاء من اختبارات التشغيل والتدريب على إدارة الحدث.

1 أكتوبر 2030: الانطلاقة الرسمية للمعرض.

وتتولى لجنة عليا برئاسة ولي العهد إدارة المشروع، بالتعاون مع جهات دولية وشركات استشارية وخبراء في إدارة الأحداث الكبرى.

 

ما بعد إكسبو: إرث مستدام

لا ينتهي مشروع إكسبو بنهاية فعالياته، بل صُمم ليترك إرث طويل الأمد في العاصمة. فبعد انتهاء الحدث، سيتم تحويل الموقع إلى مدينة مصغرة تحتضن مراكز للبحث والتطوير ومؤسسات تعليمية وثقافية ومناطق للأعمال الناشئة، ومتاحف ومعارض دائمة.

كما يُتوقع أن يسهم هذا الإرث في تحفيز الابتكار المحلي، وتمكين الشباب وتحقيق مزيد من التنويع الاقتصادي والاجتماعي.

 

إكسبو 2030 هو نافذة تطل منها المملكة على العالم، وتؤكد من خلالها على قدرتها على قيادة التحول الحضاري والتكنولوجي في المنطقة. من خلال هذا الحدث العالمي، تضع الرياض نفسها على خارطة المستقبل، كعاصمة عصرية تحتضن التنوع، وترعى الابتكار، وتبني جسور التواصل بين الشعوب والثقافات.

تنتظر المملكة والعالم هذا الموعد بشغف، ليكون علامة فارقة في مسيرة التنمية المستدامة، ومنصة ملهمة لتشكيل الغد.