العوامل المؤثرة في ارتفاع أسعار العقارات في السعودية

 

شهد قطاع العقارات في السعودية، كغيره من القطاعات حول العالم، العديد من التقلبات خلال السنوات الماضية، ولا سيما بعد الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 التي تأثرت فيها أسواق العقار على نحو واسع. غير أن هذا القطاع بدأ يشهد تعافياً ملحوظاً، مدفوعاً بانخفاض أسعار الفائدة وقلة المعروض العقاري في بعض المناطق، ما جعل السوق مهيأً للبائعين الراغبين في الاستفادة من الظروف الملائمة لتحقيق عوائد جيدة على استثماراتهم. على الجانب الآخر، يواجه المشترون تحديات عدة، أبرزها ارتفاع الأسعار وزيادة المنافسة، وهو ما يجعل مسألة فهم العوامل التي تحدد أسعار العقارات أمراً بالغ الأهمية. لذا، سنستعرض فيما يلي أهم العوامل الاقتصادية التي تؤثر على سوق العقارات في السعودية، موضحين كيفية تفاعلها مع المتغيرات الأخرى.

 

 

العوامل المؤثرة على أسعار العقارات في السعودية

تتأثر أسعار العقارات في السوق السعودي بمجموعة من العوامل التي يمكن تصنيفها إلى قسمين رئيسيين: العوامل الاقتصادية الجزئية، التي تتعلق بالخصائص الفردية للعقار نفسه أو بالمحيط القريب له، والعوامل الاقتصادية الكلية التي ترتبط بأداء الاقتصاد بشكل عام. سنقوم بتفصيل كل من هذه العوامل وشرح تأثيراتها المحتملة.

 

أولاً: العوامل الاقتصادية الجزئية

تتعلق هذه العوامل بالمواصفات والخصائص التي يتمتع بها العقار نفسه أو بموقعه الجغرافي، وهي تشمل:

 :موقع العقار

لا شك أن الموقع يعد من أهم العوامل التي تؤثر على قيمة العقار. فكما يقال في عالم العقارات: "الموقع، الموقع، الموقع". الموقع الجيد يُعد ميزة تنافسية أساسية، حيث يكون قادر على تعزيز قيمة العقار وجاذبيته. وفي السعودية، تلعب العوامل التالية دور كبير في تحديد قيمة العقار بناءً على موقعه:

- جودة المدارس: يعتبر القرب من المدارس ذات الجودة العالية أمراً هام للغاية للعائلات التي تبحث عن شراء العقار. إذ تفضل الأسر العيش في مناطق قريبة من المدارس الجيدة لضمان راحة أطفالها وتعليمهم.

- فرص التوظيف: المناطق التي توفر فرص عمل متعددة تشكل عامل جذب كبير للمشترين، وخاصة الشباب الباحثين عن بيئة تجمع بين العمل والحياة العائلية. كلما زادت فرص التوظيف في المنطقة، زادت قيمة العقار فيها.

- القرب من مراكز التسوق والترفيه: يعتبر القرب من مراكز التسوق والمرافق الترفيهية عامل مغري للشباب والمشترين اليافعين. هذه الفئة العمرية تبحث عن حياة متكاملة تتوفر فيها الاحتياجات اليومية ومرافق الترفيه.

إذن، الموقع الذي يجمع بين جودة التعليم، وفرص العمل، والقرب من المرافق الحيوية يكتسب ميزة تنافسية، وغالباً ما يكون له تأثير إيجابي على قيمة العقار.

تقرير التفتيش العقاري:

يعتبر تقرير التفتيش من العوامل الأساسية التي تؤثر على السعر النهائي للعقار. العديد من المشترين يفضلون الاطلاع على تقرير المفتش أو الخبير قبل اتخاذ قرار الشراء، حيث يكشف هذا التقرير عن حالة العقار وأية مشاكل قد تتطلب إصلاحات مستقبلية. من الشائع أن تتأثر قيمة العقار سلباً إذا كانت هناك مشاكل إنشائية أو ميكانيكية تتطلب صيانة. وعندما يتاح للمشتري الاطلاع على مثل هذه التقارير، يحصل على قدرة تفاوضية تمكنه من الحصول على سعر أفضل.

التحديثات والتجديدات:  

تميل قيمة العقار للارتفاع إذا كان يتضمن تحديثات أو تعديلات حديثة تلبي معايير الراحة. بعض المشترين يفضلون العقارات المعدّة بشكل كامل والتي لا تتطلب أي أعمال صيانة أو تجديد، حتى لو كان ذلك يعني دفع مبلغ أعلى. على سبيل المثال، تحديث المطابخ والحمامات يعزز من جاذبية العقار، وغالباً ما تفضله الأسر لما يوفره من راحة وتكاليف مبدئية أقل. تشير الدراسات إلى أن العقارات التي تتضمن تحديثات عالية الجودة تكون قادرة على الاحتفاظ بقيمتها بل وزيادتها في بعض الأحيان.

 

ثانياً: العوامل الاقتصادية الكلية

تشمل العوامل الكلية تلك المؤثرات التي ترتبط بالاقتصاد الوطني ككل وتؤثر على سوق العقارات بصفة عامة، ومن أبرزها:

المؤشرات الاقتصادية العامة:  

يؤثر الأداء الاقتصادي على السوق العقاري بشكل كبير، حيث تعتمد القدرة الشرائية للمستهلكين على عوامل مثل الناتج المحلي الإجمالي، ومستوى البطالة، ونمو دخل الأفراد. فعلى سبيل المثال، خلال فترة الركود الاقتصادي التي أعقبت أزمة الرهن العقاري العالمية بين عامي 2008 و2012، تراجعت أسعار العقارات في العديد من الأسواق، لا سيما تلك التي تعتمد على قطاع العقارات والتوظيف العقاري بشكل كبير. هذا الترابط بين الأداء الاقتصادي العام وأسعار العقارات يظهر جلياً في الأزمات، حيث أن النمو الاقتصادي الضعيف يؤثر سلباً على سوق العقار، بينما تسهم معدلات النمو القوية في زيادة الأسعار نتيجة لتحسن مستوى الطلب.

أسعار الفائدة:  

تؤدي أسعار الفائدة دور محوري في تحديد تكلفة الرهن العقاري، ومن ثمّ تؤثر على مستوى الطلب في السوق. فكلما انخفضت أسعار الفائدة، زادت القدرة الشرائية للمستهلكين، حيث تقل قيمة الأقساط الشهرية، ما يسهل الحصول على تمويل العقار. نتيجة لذلك، يرتفع مستوى الطلب، وبالتالي ترتفع الأسعار. على الجانب الآخر، إذا زادت أسعار الفائدة، تقل القدرة على تحمل تكلفة العقار، مما يؤدي إلى انخفاض الطلب وبالتالي انخفاض الأسعار. يُعد هذا العامل مؤثر مباشر وحاسم في القرارات الشرائية للعديد من المشترين.

المستثمرون في القطاع العقاري:  

منذ الأزمة العالمية، أصبح القطاع العقاري جاذباً للمستثمرين الباحثين عن استثمارات ذات عوائد جيدة. في السعودية، يسعى العديد من المستثمرين، سواء المحليين أو الأجانب، إلى شراء العقارات التي يمكن تأجيرها أو إعادة بيعها مستقبلاً بأسعار أعلى. ووفقاً للتقارير الحديثة، يُقدر أن نحو 20% من العقارات يتم شراؤها من قبل مستثمرين. حيث يلعب هؤلاء المستثمرون دور كبير في تحريك السوق، حيث يرفعون الطلب على العقارات. ولكن مع بدء تراجع حجم العقارات التي يمكن شراؤها بأسعار مناسبة، قد يتباطأ نشاط المستثمرين، مما يؤدي إلى استقرار السوق نسبياً.

 

تأثير هذه العوامل على السوق السعودي

بناءً على ما سبق، نرى أن السوق العقاري السعودي يتأثر  بعدة عوامل تتفاعل فيما بينها لتحديد الأسعار. على سبيل المثال، تزايد الطلب على العقارات في المناطق التي توفر بيئة تعليمية جيدة وأماكن ترفيه وعمل يرفع من أسعار العقارات في تلك المناطق. في الوقت ذاته، تؤدي التغيرات في أسعار الفائدة وارتفاع مستويات الدخل إلى تغيير في مستويات الطلب العام، مما يؤثر على أسعار العقارات على نطاق واسع.

 

تظل سوق العقارات السعودية، كسائر الأسواق العالمية، عرضة لتقلبات اقتصادية ومالية تؤثر عليها بشكل مباشر وغير مباشر. يُعتبر الوعي بتلك العوامل المؤثرة وفهم انعكاساتها المستقبلية أمر ضروري  للمشترين أو المستثمرين، خاصة في ظل التغيرات المستمرة في السوق. قد يؤدي الإلمام بهذه العوامل إلى اتخاذ قرارات مدروسة وأكثر حكمة، مما يسهم في تحقيق استثمارات ناجحة على المدى الطويل. من جانب آخر، يوفر السوق السعودي فرصاً واعدة للمستثمرين المحليين والدوليين، مدعوماً بمبادرات تطوير البنية التحتية والإصلاحات الاقتصادية ضمن رؤية 2030، التي تضع الأسس لتوسيع القاعدة الاستثمارية وجذب الاستثمارات الأجنبية.