المبادرات الحكومية السعودية لتعزيز الأمن السيبراني

 

يشهد العالم اليوم تسارع غير مسبوق في عمليات التحول الرقمي، مما أتاح فرص هائلة للنمو والابتكار، ولكنه في الوقت ذاته زاد من التهديدات السيبرانية والهجمات الإلكترونية. وفي ظل هذا الواقع، تولي المملكة العربية السعودية اهتمام كبير بقطاع الأمن السيبراني، حيث تسعى جاهدة

لتوفير  بيئة رقمية آمنة تحمي البيانات والبنية التحتية الحيوية وتدعم التنمية المستدامة. يتمثل هذا الاهتمام في وضع استراتيجية وطنية متكاملة وتطبيق سياسات وتشريعات متقدمة، إلى جانب إطلاق العديد من البرامج والمبادرات التي تهدف إلى بناء قدرات وطنية في هذا المجال.

 

 

تشريعات ولوائح الأمن السيبراني

تلعب التشريعات والسياسات دور أساسي في ضمان أمن الفضاء السيبراني وحماية المصلحة العامة. ومن بين أبرز التشريعات التي أصدرتها

المملكة يأتي نظام مكافحة جرائم المعلوماتية، والذي يهدف إلى:

  • تقليل الجرائم السيبرانية من خلال تحديد الأفعال المخالفة والعقوبات المرتبطة بها.
  • حماية المعلومات والبيانات الشخصية من التعديات غير القانونية.
  • ضمان الاستخدام المشروع لأجهزة الكمبيوتر وشبكات المعلومات.
  • دعم الاقتصاد الوطني من خلال حماية الشركات والمؤسسات من التهديدات السيبرانية.

إلى جانب ذلك، أصدرت الهيئة الوطنية للأمن السيبراني مجموعة من الضوابط والإرشادات التي تهدف إلى تعزيز الأمن الوطني وحماية البنية

التحتية الحيوية، وتشمل:

  • ضوابط الأمن السيبراني الأساسية: التي تُعتبر المرجع الأساسي لحماية المؤسسات.
  • ضوابط الأنظمة الحرجة: لحماية البنية التحتية الحيوية من الهجمات.
  • ضوابط العمل عن بُعد: لضمان أمان المعلومات في بيئات العمل المرنة.

إطار عمل القوى العاملة في الأمن السيبراني السعودي (SCyWF): الذي يهدف إلى تنظيم الموارد البشرية في هذا المجال.

 

إرشادات التجارة الإلكترونية: لتوفير بيئة آمنة للتجارة الرقمية.

الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني

استناداً إلى رؤية المملكة 2030، تم وضع الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني لتعزيز الأمان والثقة في الفضاء الرقمي. تهدف هذه الاستراتيجية إلى تحقيق رؤية متكاملة تتمثل في بناء "فضاء سيبراني سعودي آمن وموثوق يمكّن النمو والازدهار." وتتميز الاستراتيجية بالتركيز على ستة محاور رئيسية، تشمل:

  • التكامل: تعزيز التنسيق بين مختلف القطاعات لضمان العمل المشترك في مجال الأمن السيبراني.
  • التنظيم: تطوير الأطر التنظيمية التي تضع القواعد والسياسات لضمان الأمان.
  • التوكيد: ضمان فعالية التدابير الأمنية وتحقيق الحماية الشاملة.
  • الدفاع: تقوية القدرات الدفاعية ضد الهجمات السيبرانية.
  • التعاون: تشجيع الشراكات المحلية والدولية لتعزيز الأمن السيبراني.
  • البناء: الاستثمار في تطوير القدرات البشرية والبنية التحتية التقنية.

تهدف الاستراتيجية إلى تحقيق عدد من الأهداف الجوهرية، أبرزها:

  • حوكمة متكاملة للأمن السيبراني على المستوى الوطني.
  • إدارة فعالة للمخاطر السيبرانية لضمان حماية الفضاء الرقمي.
  • تعزيز القدرات الوطنية للتصدي للتهديدات السيبرانية.
  • بناء صناعة وطنية متقدمة في مجال الأمن السيبراني.

البرامج والمبادرات الوطنية

في إطار تنفيذ الاستراتيجية الوطنية، أطلقت المملكة العديد من البرامج والمبادرات التي تهدف إلى تعزيز الأمن السيبراني وبناء القدرات الوطنية في هذا المجال. ومن بين هذه المبادرات:

المركز الوطني الإرشادي للأمن السيبراني

يُعد المركز الوطني الإرشادي للأمن السيبراني أحد أهم الأدوات لتعزيز الوعي السيبراني وتقديم الحماية للمجتمع الرقمي. يقوم المركز بإصدار التنبيهات حول أحدث وأخطر الثغرات السيبرانية، كما يطلق حملات توعوية تهدف إلى تعزيز الوعي لدى الأفراد والمؤسسات. بالإضافة إلى ذلك، يتعاون المركز مع مراكز إرشادية دولية لتبادل الخبرات وأفضل الممارسات.

الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة و الدرونز

يعمل الاتحاد على تطوير الكفاءات الوطنية في مجالات الأمن السيبراني، البرمجة، وتقنيات الدرونز. تم إنشاء الاتحاد تحت مظلة اللجنة الأولمبية السعودية، ويهدف إلى تشجيع الشباب على الاحتراف في هذه المجالات من خلال تنظيم المسابقات والبرامج التدريبية. كما يُعزز الاتحاد ثقافة الابتكار التقني بين أفراد المجتمع، مما يسهم في بناء اقتصاد معرفي قوي.

الأكاديمية الوطنية للأمن السيبراني

تأتي الأكاديمية الوطنية للأمن السيبراني كمبادرة رائدة أطلقتها وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بالتعاون مع صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف). تهدف الأكاديمية إلى تطوير المهارات الرقمية الوطنية عبر مسارات تدريبية متنوعة تشمل:

  • تحليل بيانات الذكاء الاصطناعي: لتحليل ومعالجة البيانات الضخمة.
  • الحوسبة السحابية: لتوفير حلول آمنة وفعالة للمؤسسات.
  • تطوير التطبيقات وتصميم الألعاب: لتعزيز الابتكار الرقمي.

مبادرة حصين

تركز مبادرة حصين على تعزيز حماية البريد الإلكتروني من الانتحال والاستخدام غير المصرح به. كما تساعد المبادرة الجهات الوطنية على تقييم مستوى الأمان الخاص بها، وتوفر إرشادات حول كيفية تحسين السياسات الأمنية وتفعيل تقنيات الحماية.

روابط هامة للأمن السيبراني

تقدم المملكة العربية السعودية نموذج رائد في تعزيز الأمن السيبراني، حيث تجمع بين التشريعات المتقدمة، الاستراتيجيات الشاملة، والمبادرات الفعّالة. ومع التزايد المستمر في الاعتماد على التكنولوجيا، تظل حماية الفضاء الرقمي أولوية قصوى لضمان أمان البيانات ودعم الابتكار والنمو المستدام. ومن خلال هذه الجهود، تسير المملكة بخطى ثابتة نحو تحقيق ريادة عالمية في مجال الأمن السيبراني.

 

الأمن السيبراني لم يعد خيار في عصر التحول الرقمي المتسارع، بل أصبح ضرورة أساسية لضمان استدامة التطور والابتكار في جميع القطاعات. من خلال رؤية واضحة وجهود متكاملة، تمكنت المملكة العربية السعودية من بناء منظومة قوية تعزز حماية فضائها الرقمي، وتجعلها في طليعة الدول التي تولي اهتمام بالغ بهذا المجال الحيوي.