أيقونات هندسية: سيارتان رائعتان ضمن مزاد "آر إم سوثبيز" في لندن
ما يقارب عقدين من الزمن، حافظت "آر إم سوثبيز" على مكانتها الرائدة كمزاد مختص بالسيارات في لندن، بل في جميع أنحاء المملكة المتحدة. يجمع المزاد كل عام نخبة من أندر وأثمن السيارات الكلاسيكية في العالم، ليصبح حدثاً رئيسياً في أجندة العاصمة. في صيف عام ٢٠٢٤ انتقل المزاد إلى مقره الجديد المرموق في فندق "بينينسولا لندن"، وبفضل موقعه المميز، وضيافته الاستثنائية، ومجموعة السيارات العالمية التي يضمها، ارتقى الحدث إلى مستوى جديد من التميز.
هذا العام، تعود "آر إم سوثبيز" مجدداً إلى بينينسولا ضمن فعاليات أسبوع لندن للسيارات، الذي يُقام من 27 أكتوبر حتى 2 نوفمبر. وسيتضمن المزاد أيضاً سباق السيارات الشهير "من لندن إلى برايتون"، وهو تقليد تاريخي في عالم السيارات، سيحتفل في عام 2025 بالذكرى 129 لسباق التحرير عام 1896. يُنظم هذا السباق نادي السيارات الملكي منذ عام 1930، ولا يزال أحد أشهر فعاليات السيارات في العالم، وتفخر آر إم سوثبيز برعايته الرئيسية.
استعداداً للمزاد القادم، نلقي نظرة على سيارتين استثنائيتين من حقبتين مختلفتين تماماً. كلتاهما تُجسّدان ذروة الابتكار والتصميم في عصرهما، وقد تم إنتاج إصدارات محدودة للغاية منهما، وتُعتبران اليوم تحفة هندسية حقيقية.
ألفا روميو 8 سي 2900 بي سبايدر 1937 - على طراز زاغاتو
خلال ثلاثينيات القرن الماضي، كانت المنافسة العالمية على حلبات السباق محتدمة. وبينما هيمنت سيارة "سيلفر آراوس" الألمانية الشهيرة بفضل التقدم التكنولوجي الهائل، لم يصل سوى القليل من هذه الابتكارات إلى الطرقات. إلا أن ألفا روميو حققت توازناً مثالياً بين الأداء الذي يمكن أن يحقق الفوز بالسباقات وسهولة الاستخدام اليومي.
كانت "ألفا روميو 8 سي 2900" خير مثال على هذه الفلسفة. تميز هيكلها المتطور بنظام تعليق مستقل، وهيكل خفيف الوزن، وفرامل أسطوانية قوية، جميعها مصممة لمراعاة مبادئ السباق. كان محرك السيارة ثماني الأسطوانات، المستوحى من محرك "بي 3 تيبو بي" الأسطوري من عام 1934، بمثابة تحفة فنية ورمز للتميز الهندسي الإيطالي.
لم يُصنع سوى 38 سيارة من طراز 8 سي 2900، ولم يبقَ منها إلا عدد قليل حتى اليوم. من بين أكثرها رواجاً كانت "لونغ سبايدرز"، التي تم زيادة طولها بمقدار 20 سنتيمتر، لخلق تصميم أكثر راحة بمقعدين مع الحفاظ على روح سيارات السباق.
اكتمل بناء الهيكل رقم 412011 في عام 1937، وكان ملكاً لأول مرة للصناعي الألماني إرنست كارستنز، الذي كلف صانعاً محلياً بصنع هيكل كابريوليه مخصص. تاريخ السيارة خلال سنوات الحرب غير مؤكد، لكن السجلات تشير إلى أن السيارة بقيت مع عائلة كارستنز حتى منتصف الخمسينيات. بعد عدة تغييرات في ملكيتها، خضعت لترميم جزئي في عام 1969، على الرغم من أنه لم يكن من الممكن استعادة المحرك الأصلي الذي تم استبداله في وقت سابق من عمرها.
في الثمانينيات اشترى السيارة خبير ألفا روميو الشهير ديفيد بلاك، الذي قام بترميمها بالكامل، حيث ظن أنها كانت في الأصل طرازاً أقصر ورياضياً أكثر، ثم حولت لاحقاً إلى سيارة مكشوفة، حسب تخيله لشكلها السابق. ورغم وفاته قبل إتمام المشروع، واصلت عائلته العمل، وانتهى الترميم أخيراً بعد قرابة عشرين عاماً.
تحتفظ السيارة بالعديد من مكوناتها الأصلية، وقد أُعيد بناء محركها بالكامل في يوليو 2025. كما تحتفظ بهيكل الكابريوليه الأصلي الخاص بها، مما يتيح للمالك المستقبلي عرضها إما بنسختها السياحية الأنيقة أو بطابعها الرياضي.
مع أكثر من أربعين عاماً من الملكية العائلية المنفردة والحفاظ عليها بشكل رائع، تُمثل هذه السيارة فصلاً نادراً ومهماً في تاريخ ألفا روميو. بتجسيدها الحرفية والابتكار والجمال الخالد، تُمثل هذه السيارة جوهر فن صناعة السيارات قبل الحرب.
أستون مارتن فالكيري كوبيه 2024
في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، تعاون مصمم الفورمولا 1 الشهير عالمياً أدريان نيوي مع فريق "ريد بول ريسينغ" و"أستون مارتن" لابتكار سيارة خارقة لا مثيل لها، بهدف نقل تكنولوجيا الفورمولا 1 إلى الطرقات. تطور المشروع، الذي عُرف في البداية باسم "نيبولا"، إلى ما يُعرف الآن باسم "أستون مارتن فالكيري".
سُميت سيارة فالكيري تيمناً بالمحاربين النورديين الأسطوريين الذين ركبوا خيولاً مجنحة إلى المعركة، وهي تُجسّد اسمها بكل معنى الكلمة. صُنعت السيارة بكاملها تقريباً من ألياف الكربون، دون أي مكون فولاذي، وهي خفيفة الوزن للغاية لكنها قوية بشكل لا يُصدق. يُنتج محركها V12 سعة 6.5 لتر الذي يعمل بسحب الهواء الطبيعي قوة مذهلة تبلغ 1160 حصان، بينما يسمح تصميمها الانسيابي بأداء يُضاهي سيارات السباق دون المساس بشكل السيارة الرشيق. حتى مصابيح الفرامل تُعد إنجازاً هندسياً مميزاً، في حين يعتمد النظام الهيدروليكي على التكنولوجيا المُستخدمة في مروحيات أباتشي.
السيارة المعروضة في المزاد هي واحدة من 25 نموذجاً فقط بمقود من جهة اليمين من إجمالي 150 سيارة فالكيري تم تصميمها للسير على الطرق. هذا الطراز تحديداً المسمى أنيموس (يعني "ريح" باليونانية) هو أحد أكثر سيارات فالكيري تخصيصاً على الإطلاق. يمزج تصميمها بين الأداء والبراعة الفنية، حيث ألياف الكربون المكشوفة ذات اللون الأرجواني وتنجيد ألكانتارا من الداخل، تتكامل مع تفاصيل من ورق الذهب عيار 24 قيراط في جميع أنحاء السيارة، بما في ذلك عجلة القيادة، وزر تشغيل المحرك، ولمسات الهيكل. حتى شعارا أستون مارتن وأنيموس مطليان بالذهب، مع تطريز متناسق على المقاعد والعجلات.
اكتملت صناعة أنيموس في أوائل عام 2024 وسُجلت في مارس من ذلك العام، وقطعت 112 ميلاً فقط. تُعرض السيارة بحالة ممتازة، وهي تحفة فنية من الحرفية الحديثة، وتجسيد للشغف والدقة واللمسات الشخصية التي تعبر عن عصر التميز في عالم السيارات.