سوثبيز تصنع التاريخ .. أمسية استثنائية في تاريخ الفن الحديث في نيويورك
كان شهر نوفمبر 2025 شهراً حافلاً في تاريخ دار سوثبيز للمزادات في نيويورك. هذه العلامة التجارية العريقة، إحدى أقدم دور المزادات في العالم، انتقلت مؤخراً إلى مبنى بروير الذي تم ترميمه حديثاً، والذي كان سابقاً مقر متحف "ويتني" للفنون، في شارع المتاحف المرموق في الجانب الشرقي الشمالي من مانهاتن.
ولكن لم يكن ذلك سوى بداية لما سيأتي في الربع الرابع الحافل بالإنجازات. ففي ليلة واحدة، حققت الشركة أعلى إجمالي مبيعات في مزادها حتى الآن، محققةً رقماً قياسياً جديداً بمبيعات استثنائية بلغت 706 ملايين دولار. وشهد الحدث سلسلة من الأرقام القياسية المحطمة، بما في ذلك ثاني أعلى عملية بيع لعمل فني مسجل على الإطلاق، وشهد المزاد ظهور ملاك جدد لأعمال استثنائية لبعض أشهر الأسماء في الفن الحديث والمعاصر.
-webp.webp?width=385&height=533&name=download%20(5)-webp.webp)
محب لجمع القطع الفنية ساهم في رسم ملامح تاريخ الفن الحديث
شكلت مجموعة استثنائية مكونة من 54 قطعة فنية للراحل ليونارد أ. لودر، وريث إمبراطورية شركات إستي لودر لمستحضرات التجميل جوهر هذا المزاد الذي حطم الأرقام القياسية. قُسم المزاد إلى دورتين، عُرضت 24 قطعة يوم الثلاثاء 18 نوفمبر، بينما عُرضت القطع الثلاثون المتبقية صباح اليوم التالي، مما أثار اهتماماً كبيراً لدى المشاركين وهواة الجمع. وقد بنى لودر إرثاً فنياً عريقاً باقتنائه أعمال فنية قيمة من عمالقة الفن، أمثال كليمت و مونك و ماتيس، وهو شغفٌ استمر في السعي وراءه حتى وفاته في يونيو 2025.
تُمثل مجموعة ليونارد أ. لودر، التي تضم مجموعة نادرة واستثنائية من أهم أعمال القرن العشرين، تكريماً حقيقياً للفن الحديث. وقد قدّمت عرضاً رائعاً للإبداع والابتكار والتأثير الفني، مُجسّدةً روح بعضٍ من أهم شخصيات تلك الحقبة ومساهماتهم الخالدة.
بعد وفاة لودر، اختيرت دار سوثبيز للإشراف على إدراج مجموعته ضمن المزاد، وهو قرار مناسب يعكس ارتباطه الوثيق بمتحف ويتني ومبنى بروير نفسه، حيث شغل لفترة طويلة منصب أمين المتحف.
بدأ شغف لودر بالفن في سن مبكرة، حيث بدأ في السادسة من عمره فقط بمجموعة من البطاقات البريدية، عُرض العديد منها في متحف الفنون الجميلة في بوسطن عام 2012. وعلى مر العقود، نمت مجموعته بشكل أوسع، مما مكنه في النهاية من التبرع بأعماله التكعيبية الثمينة لمتحف متروبوليتان للفنون في مدينة نيويورك، وهو تبرع قُدرت قيمته بأكثر من مليار دولار.
وفر مزاد سوثبيز فرصة نادرة لمشاهدة نطاق مجموعة لودر الرائعة، والتي تضمنت أعمال غوستاف كليمت وهنري ماتيس والفنان التكعيبي الإسباني الشهير بابلو بيكاسو. كما عُرضت أعمال بارزة للفنان الهولندي الشهير فنسنت فان غوخ والفنان التعبيري النرويجي إدوارد مونش المعروف بـ لوحة الصرخة. ولكن أبرز ما في الأمسية بلا منازع كان الصورة الكاملة للفنانة الشابة إليزابيث ليدير، ابنة أهم رعاة كليمت، والتي تم رسمها بدقة على مدار ثلاث سنوات في منتصف العقد الأول من القرن العشرين.
إعادة تعريف حدود مبيعات الفن الحديث
شهد مزاد نوفمبر التاريخي لدار سوثبيز أعلى إجمالي مبيعات على الإطلاق في أمسية واحدة، محققاً مبيعات مذهلة بلغت 706 ملايين دولار. وكان من أبرز المساهمين في هذا الإجمالي المذهل لوحة "صورة إليزابيث ليدرر" لغوستاف كليمت (1914-1916)، التي حققت مبلغاً استثنائياً قدره 236.4 مليون دولار بعد مزايدة استمرت 19 دقيقة، مما جعلها أغلى عمل فني باعته سوثبيز على الإطلاق. وتجاوز هذا البيع الرقم القياسي السابق لكليمت البالغ 183.8 مليون دولار، والذي دفعه رجل الأعمال الروسي دميتري ريبولوفليف عام 2013 مقابل لوحة "فاسرشلانجن 2"، كما احتلت هذه العملية المرتبة الثانية كأعلى سعر دُفع لعمل فني على الإطلاق، بعد لوحة "سالفاتور موندي" لليوناردو دافنشي.
افتُتح المزاد عند 130 مليون دولار، مع توقعات بوصوله إلى حوالي 150 مليون دولار، إلا أن السعر النهائي أكد مكانة كليمت الاستثنائية في سوق الفن الراقية، حيث وصل العرض الفائز في النهاية إلى سعر 205 ملايين دولار، قبل فرض رسوم إضافية.
تحمل اللوحة تاريخاً مميزاً ومعقداً. خلال الحرب العالمية الثانية، كانت ضمن مجموعة استولى عليها المسؤولون النازيون في فيينا. نجا العمل بأعجوبة من الدمار بالحريق، بعد أن انفصل عن لوحات أخرى فُقدت.
نُقل عن هيلينا نيومان، رئيسة قسم سوثبيز أوروبا، قولها: "إن رؤية لوحة غوستاف كليمت الرائعة لإليزابيث ليدرر تحقق رقماً قياسياً جديداً، ورؤيتها تصبح أغلى عمل يُباع على الإطلاق في سوثبيز أمر مثير للغاية. كليمت هو واحد من هؤلاء الفنانين النادرين الذين يتمتعون بسحر قوي وعالمي".
روائع فنية إضافية ميزت الأمسية
شهدت الأمسية أيضاً عرضاً رائعاً لمجموعة مختارة من الأعمال الفنية الأخرى عالية القيمة بلغ عددها 24، حيث بيعت جميعها لملاك جدد. من بينها لوحتان إضافيتان لكليمت، مما رفع إجمالي قيمة أعمال الفنان النمساوي إلى 384.7 مليون دولار. بيعت لوحة "بلوم فيزا" (المرج المزهر) التي رسمها عام 1908 مقابل 86 مليون دولار، بينما بيعت لوحة "والدهاغ باي أونتراخ آم أتيرسي" (منحدر الغابة في أونتراخ على نهر أتيرسي) مقابل 68.3 مليون دولار، مما يؤكد الأهمية المستمرة لهذه الرموز الفيينية في السوق.
في أمسية احتفت ببعضٍ من أبرز الشخصيات في عالم الفن، حققت لوحة "سانكثانات" لإدفارد مونك 35.1 مليون دولار بعد منافسة استمرت سبع دقائق بين ثلاثة مزايدين. وفي الوقت نفسه، بيعت لوحة "الحديقة" للفنانة آغنيس مارتن مقابل 17.6 مليون دولار إلى تاجر خاص يدعى فيليب سيغالوت، الذي تفوق على اثنين من المنافسين الآخرين في معركة مزايدة استمرت لمدة عشر دقائق.
حققت لوحة "الخادم في حقل أزرق تحت الشمس" (1888) للفنان فينسنت فان غوخ، أحد أبرز رموز الفن الحديث، 9.43 مليون دولار، بينما بيعت منحوتتان برونزيتان للفنان هنري ماتيس مقابل 16.7 مليون دولار لكل منهما. ومن أبرز المعروضات الأخرى في الأمسية، خارج مجموعة لودر مرحاض ماوريتسيو كاتالان الذهبي الشهير، والذي بيع مقابل 12.1 مليون دولار.
أعطت هذه النتائج الاستثنائية منعطفاً إيجابياً لسوق واجه فترة صعبة في السنوات الأخيرة، متأثراً بعدم الاستقرار الجيوسياسي ومحدودية المعروض من الأعمال الفنية المتميزة. ومع ذلك، يشير هذا المزاد التاريخي، الذي بلغت قيمته 706 ملايين دولار، إلى أن سوق الفن الراقي يستعيد زخمه، مما يُشير إلى آفاق أكثر إشراقاً.