ورد الطائف ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي

 

تُعتبر وردة الطائف واحدة من الكنوز الثقافية الفريدة التي تعكس هوية المملكة العربية السعودية وتراثها الغني. هذه الوردة، التي نشأت في أحضان مرتفعات الطائف، ليست مجرد نبات يُزرع ويحصد، بل هي رمز للحضارة والتاريخ، إذ تحوّلت على مر السنين إلى عنصر ثقافي واجتماعي يُشكّل جزء لا يتجزأ من حياة سكان الطائف. ومؤخراً، حظيت وردة الطائف بشرف الانضمام إلى قائمة التراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، في اعتراف عالمي بقيمتها الحضارية والاقتصادية.

 

 

تاريخ عريق يرتبط بالطبيعة

تقع زراعة وردة الطائف في مرتفعات جبال الهدا ووادي محرم ووادي غزال، إضافة إلى مناطق الشفا وبلاد طويرق. تتميز هذه المواقع ببيئة جبلية طبيعية وباردة معتدلة. يعود تاريخ زراعة الورد الطائفي إلى مئات السنين، حيث توارث السكان المحليون هذه الحرفة عبر الأجيال، واستطاعوا تطوير تقنيات زراعته وحصاده وتصنيعه ليصبح منتج يحمل عبق التاريخ وجمال الطبيعة.

في موسم الورد السنوي، تتحوّل حقول الورود إلى مركز اجتماعي يجتمع فيه السكان للعمل المشترك والمساهمة في عمليات الحصاد، وهذا يعزز روح التعاون والانتماء بين أفراد المجتمع. هذه العادات جعلت من وردة الطائف عنصر ثقافي يرتبط بأسلوب حياة السكان وتقاليدهم اليومية.

 

منتجات وردة الطائف ودورها الاجتماعي

تُستخدم وردة الطائف في إنتاج العديد من المنتجات التي تحمل قيمة كبيرة، مثل ماء الورد والزيوت العطرية ودهن الورد. تدخل هذه المنتجات في الحياة الاجتماعية والثقافية لسكان الطائف. تُستخدم في تعطير المجالس والمنازل وتقديم الضيافة، مما يعكس كرم سكان الطائف واهتمامهم بالتقاليد.

إضافة إلى ذلك، يُقام بشكل سنوي مهرجان الورد الطائفي، وهو احتفال يجمع السكان والزوار للاحتفاء بهذا التراث. يُعد المهرجان فرصة للتواصل الاجتماعي والترويج للمنتجات المحلية.

 

إدراج وردة الطائف ضمن قائمة التراث العالمي

خلال اجتماع الدورة التاسعة عشرة للجنة صون التراث الثقافي غير المادي لليونسكو، الذي عُقد في أسونسيون، باراغواي، تم الإعلان عن إدراج وردة الطائف ضمن قائمة التراث العالمي. هذا الإنجاز يُعدّ اعتراف دولي بقيمة وردة الطائف كعنصر ثقافي يحمل تاريخ وتراث غنيين.

وتتألف لجنة التراث غير المادي في اليونسكو من 24 عضو يمثلون مجموعات انتخابية مختلفة. يُنتخب الأعضاء لفترات مدتها أربع سنوات، مما يضمن استمرارية العمل على صون التراث العالمي وتعزيز التقدير العالمي للعناصر الثقافية الفريدة.

 

دور وردة الطائف في الاقتصاد المحلي

لم تكن وردة الطائف مجرد عنصر تراثي، بل أصبحت اليوم صناعة مزدهرة تساهم في الاقتصاد المحلي. وفقاً للمزارعين المحليين، تنتج الطائف سنوياً حوالي 550 مليون وردة من أكثر من 910 مزارع موزعة في مناطق مختلفة من المحافظة. هذه الورود تُستخدم في إنتاج أكثر من 80 منتج متنوع تُباع في الأسواق المحلية والدولية، محققةً عوائد مالية تتجاوز 64 مليون ريال سعودي سنوياً.

وأشار المزارع رداد الطلحي إلى أن صناعة الورد الطائفي مرت بتطور كبير عبر الزمن. في الماضي، كانت زراعته محدودة وتقتصر على مناطق قليلة، ولكن اليوم، تحوّلت إلى علامة فارقة في السوق السعودي بفضل الاستثمار المتزايد والطلب العالي على منتجاته.

 

تقنية متقنة لاستخراج المنتجات

عملية استخراج المنتجات من وردة الطائف تعتمد على تقنيات دقيقة ومتطورة، تبدأ بتقطير الورود باستخدام قدور نحاسية خاصة. يوضح الخبراء أن هذه القدور تساهم في تسريع عملية التقطير بفضل قدرتها على رفع درجات الحرارة بشكل أفضل من المعادن الأخرى، مما يقلل من الوقت والجهد المطلوبين.

خلال عملية التقطير، تُستخرج ثلاثة منتجات رئيسية:

  1. ماء الورد العادي: يُستخدم في المناسبات اليومية لتعطير الأجواء.
  2. ماء الورد المركز (ماء العروس): منتج فاخر يُستخدم في المناسبات الخاصة والمراسم التقليدية.
  3. دهن الورد: يُعدّ من أغلى المنتجات عالمياً نظراً لجودته العالية واستخدامه في صناعة العطور الفاخرة.

إرث يُعطر التاريخ

منذ القدم، لعبت وردة الطائف دور هام في الحياة الاجتماعية والثقافية لسكان الطائف. يُستخدم دهن الورد الطائفي في غسل الكعبة المشرفة سنوياً، مما يضيف لهذه الوردة مكانة روحية خاصة. كما كان هذا المنتج الفاخر حاضر في حياة الملوك و العائلات المرموقة في منطقة الخليج، ليُصبح رمز للفخامة والرقي.

ولم تقتصر أهميتها على الجانب الديني والاجتماعي فقط، بل تجاوزت ذلك لتُصبح رمزًا اقتصاديًا يعكس قدرة سكان الطائف على تحويل مواردهم الطبيعية إلى منتجات تُبهر العالم بجودتها وقيمتها العالية.

 

إدراج وردة الطائف ضمن قائمة اليونسكو ليس نهاية القصة، بل هو بداية لمرحلة جديدة تعزز من أهمية هذه الوردة على المستوى الدولي. هذا الإنجاز يُحفز الجهود للحفاظ على هذا التراث ونقله إلى الأجيال القادمة، مع الاستمرار في تطوير صناعة الورد الطائفي ودعم المزارعين المحليين لضمان استدامة هذا القطاع.

وردة الطائف قصة تعكس التقاليد والهوية والطموح. وشاهد على قدرة المجتمعات على الحفاظ على إرثها وتطويره ليُصبح مصدر فخر عالمي.