الاستثمار الرياضي في الدوري السعودي لكرة القدم .. وجهة نجوم العالم
أعلنت المملكة العربية السعودية عن مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية في خطوة مهمة نحو تطوير القطاع الرياضي، وذلك ضمن مستهدفات "رؤية السعودية 2030" التي تسعى لتعزيز مختلف المجالات في المملكة. المشروع الذي أطلقه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 5 يونيو 2023، يهدف إلى تحسين بنية الرياضة في المملكة وجذب الاستثمارات لرفع مستوى الاحترافية في الأندية الرياضية.
الأهداف والمسارات الرئيسة للاستثمار
يتضمن المشروع مسارين رئيسيين. الأول يركز على استثمار شركات كبرى وجهات تطوير تنموية في الأندية الرياضية مقابل نقل ملكية تلك الأندية إلى هذه الجهات. ووفقاً لهذا المسار، سيتم تحويل بعض الأندية السعودية الكبرى مثل الهلال والاتحاد والنصر والأهلي إلى شركات، حيث تذهب 75% من ملكيتها إلى صندوق الاستثمارات العامة، بينما تبقى 25% في حوزة مؤسسات غير ربحية تتمثل في الجمعية العمومية لكل نادٍ. هذه الخطوة تهدف إلى تعزيز استقرار هذه الأندية من الناحية المالية وضمان تطويرها بشكل مستدام.
المسار الثاني يهدف إلى تخصيص عدد من الأندية الرياضية، حيث تم طرحها للقطاع الخاص بداية من الربع الأخير من عام 2023. واختيار الأندية التي سيتم تخصيصها بناءً على معايير محددة، وذلك بالتنسيق مع المركز الوطني للتخصيص. يُتوقع أن تشمل هذه المرحلة أندية من مختلف الدرجات، مما يعزز من فرص النمو والاستثمار في القطاع الرياضي بشكل أوسع.
أهداف المشروع
يهدف مشروع الاستثمار والتخصيص إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
1- إيجاد بيئة جاذبة للاستثمار الرياضي
تسعى المملكة من خلال هذا المشروع إلى توفير فرص استثمارية جديدة وجاذبة للقطاع الرياضي. كما وفرت الأندية الرياضية في السعودية 3500 فرصة عمل بدوام كامل. ولتعزيز هذه الجهود، تم إطلاق منصة "نافس" في عام 2021، والتي تُعنى بإصدار تراخيص الأندية والأكاديميات الرياضية، مما سهل منح 2700 رخصة حتى الآن، منها 196 رخصة لأندية رياضية، بينها 4 أندية تجارية شاركت في دوري الدرجة الرابعة لكرة القدم. هذه الجهود تأتي في إطار تحفيز المستثمرين
2- رفع مستوى الحوكمة الإدارية والمالية للأندية
تتضمن خطط المشروع تحسين مستوى الاحترافية والحوكمة في الأندية الرياضية السعودية. وقد تم تقسيم الأندية إلى 6 فئات، بحيث يتم تقييم أداء كل نادٍ بشكل سنوي لتحديد الدعم المالي والمخصصات الأخرى. هذا التقييم يعتمد على متوسط درجات الأندية في الموسم الرياضي السابق. كما ذكر وزير الرياضة الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل، أن عدد الأندية التي طبقت معايير الحوكمة بلغ 61 نادياً في عام 2023، مقارنة بتسعة أندية فقط في عام 2019. هذا التطور الملحوظ يعكس الجهود المبذولة للارتقاء بمستوى الاحترافية في الأندية، ويؤكد على أهمية الحوكمة الفعّالة لضمان نمو مستدام لهذا القطاع.
3- تطوير البنية التحتية ورفع مستوى الأندية
تحقيقاً لرؤية المملكة 2030، تسعى السعودية إلى تحسين البنية التحتية للأندية الرياضية، وذلك من خلال تقديم أفضل الخدمات للجماهير، ورفع مستوى جودة الملاعب والبث التلفزيوني، بالإضافة إلى التعاقد مع أفضل المدربين واللاعبين العالميين. وقد شهدت المملكة في السنوات الأخيرة تطور في هذا الصدد، حيث ارتفع عدد الرياضيين من 40 ألفاً في 2019 إلى 81 ألفاً في 2024، كما زاد عدد المشجعين من 1.1 مليون في 2019 إلى 2.2 مليون. هذه الأرقام تعكس مدى الاهتمام المتزايد بالرياضة في السعودية.
استثمار طويل الأجل
تطمح المملكة إلى تحقيق قفزات نوعية في مختلف الرياضات بحلول عام 2030، وهو ما يمثل استثماراً طويل الأجل. الهدف هو صناعة جيل رياضي قادر على المنافسة على المستوى العالمي والإقليمي. وفي إطار هذا المشروع، تسعى السعودية بشكل خاص إلى تطوير كرة القدم، ورفع مستوى الدوري السعودي ليصبح واحداً من أفضل عشرة دوريات في العالم. لتحقيق هذا الهدف، تم التركيز على عدة جوانب، من بينها تحسين البنية التحتية للأندية، وتطوير الملاعب، وتعزيز جودة البث التلفزيوني، بالإضافة إلى التعاقد مع لاعبين ومدربين من الطراز العالمي. ومن الأمثلة البارزة على هذه الخطوات التعاقد مع النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي انضم إلى نادي النصر في شتاء 2023، وكذلك النجم الفرنسي كريم بنزيما الذي وقع مع نادي الاتحاد في يونيو 2023.
زيادة الإيرادات
من ناحية الإيرادات، تستهدف السعودية رفع عوائد الأندية الرياضية من الرعايات التجارية بشكل كبير. فخلال السنوات الأخيرة، ارتفعت عوائد الرعاية من 88 مليون ريال في عام 2019 إلى 728 مليون ريال في موسم 2023. ويُتوقع أن تتجاوز إيرادات الدوري السعودي للمحترفين 1.8 مليار ريال سنوياً خلال السنوات القادمة، ما يعكس الاهتمام المتزايد من قبل الشركات والجهات الراعية بالقطاع الرياضي في المملكة. بالإضافة إلى ذلك، تطمح المملكة إلى زيادة القيمة السوقية للدوري السعودي للمحترفين من 3 مليارات ريال إلى أكثر من 8 مليارات ريال.
عوائد إيجابية وتسويق عالمي
على الرغم من أن الاستثمار في القطاع الرياضي عادة ما يكون طويل الأجل، فإن هناك مؤشرات واضحة على العوائد الإيجابية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك الصفقة التي شهدت انضمام كريستيانو رونالدو إلى نادي النصر، حيث ساهمت هذه الخطوة في تعزيز الحضور الإعلامي والتسويقي للدوري السعودي على المستوى العالمي. فعلى سبيل المثال، قفز عدد متابعي نادي النصر على "إنستغرام" من 800 ألف إلى 15 مليون متابع بعد انضمام رونالدو. هذا التأثير التسويقي الكبير انعكس أيضاً على مبيعات قمصان الفريق وزيادة طلب الجماهير على متابعته. كما أصبح الدوري السعودي يُبث على 37 قناة تلفزيونية في 125 دولة حول العالم، ما يفتح الباب أمام زيادة الرعايات والحقوق التلفزيونية في المستقبل.
الآثار الإقليمية
تمتد آثار المشروع السعودي الرياضي إلى خارج حدود المملكة، حيث يتوقع أن يؤثر هذا النموذج الجديد في دول الجوار الخليجية والآسيوية. فمع المنافسات الرياضية القارية بين الأندية السعودية والأندية الخليجية والآسيوية، قد تسعى هذه الأندية إلى تقليص الفوارق مع نظيراتها السعودية من خلال تحسين بنيتها التحتية والاستثمار في لاعبين ومدربين عالميين. هذه المنافسة من شأنها أن تعزز من مستوى الرياضة في المنطقة بشكل عام.
يعد مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية في السعودية خطوة استراتيجية نحو تعزيز القطاع الرياضي في المملكة، وتحقيق رؤية 2030. بتطوير البنية التحتية، رفع مستوى الاحترافية، وزيادة الاستثمارات، تطمح السعودية إلى جعل قطاعها الرياضي واحداً من أهم القطاعات الجاذبة للاستثمار على مستوى العالم. ومع استمرار هذه الجهود، يبقى المستقبل واعداً للرياضة في المملكة.