دور المملكة العربية السعودية في سباق الفضاء العربي

 

بقي قطاع الفضاء في العقود الماضية خاصاً بالدول العظمى فقط، حيث لا تجد في التطورات والبحوث العلمية الفضائية اسم أي دولة عربية، لكن مع تطور التكنولوجيا وزيادة الطموحات بدأت الدول ذات التنمية المتسارعة في السعي والتطور في سباق الفضاء، وتأتي المملكة العربية السعودية على رأس هذه الدول التي تسير بخطى ثابتة وضمن خطط استراتيجية لتحجز لنفسها مكان في سباق الفضاء بين مصاف الدول العظمى، وذلك ضمن رؤية 2030 التي من أهم أهدافها تعزيز مكان المملكة في المجال العلمي والتقني.

 

 

النواة الأولى: رحلة الأمير سلطان بن سلمان

يعتبر عام 1985 عام تاريخي ونقطة تحول في تاريخ المملكة في مجال الفضاء، حيث شهد أول رحلة عربية إلى الفضاء التي مثلتها المملكة حين أصبح الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز أول رائد فضاء مسلم عربي يخرج في رحلة فضائية ضمن رحلة الفضاء الأميركية ديسكفري، كسرت هذه الرحلة الحاجز أمام المملكة العربية السعودية في مجال الفضاء، وكانت دافع لها لتطوير العلوم الفضائية وقدرتها على ترسيخ نفسها كدولة قادرة على المنافسة في هذا المجال.

 

تأسيس الهيئة السعودية للفضاء

أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مرسوم ملكي يقضي بتأسيس الهيئة السعودية للفضاء كجهة حكومية رسمية مهمتها وضع الخطط وتنظيم الجهود لتطوير قطاع الفضاء في المملكة، وما أكسب الهيئة خبرة كبيرة هو تولي الأمير سلطان بن سلمان رئاستها في البداية كونه أول رائد فضاء مسلم عربي.

من أهداف هيئة الفضاء السعودية هي وضع استراتيجيات وطنية متكاملة تسعى إلى تطوير قدرات المملكة في مجال الفضاء، من خلال التعاون الدولي والاستثمار في الصناعات الفضائية إضافة إلى البحث العلمي وتطوير الكوادر الوطنية.

 

برنامج رواد الفضاء السعودي:

أعلنت المملكة العربية السعودية عام 2022، عن إطلاق برنامج رواد الفضاء السعودي الذي يعتبر خطوة نوعية في طريق تطوير قطاع الفضاء السعودي، وهو برنامج يهدف إلى إعداد كوادر ورواد فضاء سعوديين لإرسالهم إلى المحطة الفضائية ISS لإجراء أبحاث علمية متقدمة.

وقد حصد البرنامج أولى ثماره في مايو 2023 بإرسال أول رائد ورائدة فضاء سعوديين:

  • رَيّانة برناوي: أول رائدة فضاء سعودية وعربية، وهي متخصصة في أبحاث الخلايا الجذعية.
  • علي القرني: رائد فضاء وضابط في سلاح الجو الملكي السعودي.

أُرسلت المهمة بالتعاون مع شركة Axiom Space الأمريكية، ضمن رحلة حملت اسم Ax-2، واستمرت لمدة 8 أيام على متن محطة الفضاء الدولية. وأجرى الطاقم السعودي أكثر من 14 تجربة علمية متقدمة، شملت مجالات مثل علم المناعة وعلم الأعصاب والتقنيات الطبية والتفاعل البشري في الفضاء، وذلك بالتعاون مع عدد من الجامعات السعودية.

 

الدلالات الرمزية والعلمية للمهمة

  • كسر الصورة النمطية عن أدوار المرأة السعودية، حيث أثبتت ريانة برناوي أن المرأة السعودية قادرة على الريادة حتى في أكثر التخصصات تعقيد.
  • تعزيز الثقافة العلمية لدى الأجيال السعودية الجديدة، حيث تابع آلاف الطلاب السعوديين بثّ التجارب الحية من الفضاء وتفاعلوا معها.
  • نقل المعرفة والتكنولوجيا إلى الداخل السعودي، من خلال التعاون البحثي مع جامعات مثل الملك فيصل، والملك عبدالله للعلوم والتقنية.

الاستراتيجية الوطنية للفضاء

تعمل المملكة على وضع استراتيجية وطنية شاملة للفضاء تهدف إلى:

  • تطوير الصناعات المرتبطة بالأقمار الصناعية.
  • دعم الابتكار والبحث العلمي في مجالات مثل الاستشعار عن بُعد والذكاء الاصطناعي الفضائي.
  • جذب الاستثمارات المحلية والدولية في قطاع الفضاء.
  • تأسيس بنية تحتية للأبحاث ومراكز التدريب الفضائي.
  • التعاون مع كبرى وكالات الفضاء حول العالم.

تعاون دولي واسع النطاق

انتهجت المملكة سياسة الانفتاح والتعاون الدولي في تطوير قطاع الفضاء، وأبرمت عدة اتفاقيات وشراكات مع وكالات وشركات عالمية، من أبرزها:

  • التحاقها ببرنامج أرتميس بقيادة وكالة ناسا الذي يهدف لاستكشاف القمر وما بعده.
  • شراكات مع وكالات فضاء أوروبية وآسيوية.
  • اتفاقيات مع شركات مثل Axiom Space و Thales Alenia و Airbus.
  • تعاون بحثي مع جامعات ومراكز علوم فضاء أمريكية وأوروبية.

يعكس هذا التوجه إيمان السعودية بأهمية الدبلوماسية الفضائية، أي استخدام الفضاء كجسر للتعاون العلمي والابتكار المشترك مع دول العالم.

مكانة السعودية عربياً

في السياق العربي، تتصدر السعودية المشهد الفضائي إلى جانب دول مثل الإمارات ومصر. لكنها تمتلك عناصر تميز خاصة بها، منها:

  • امتلاكها موارد مالية وتقنية قادرة على دعم استثمارات كبيرة ومستدامة في الفضاء.
  • تركيزها على الأبحاث العلمية الدقيقة في الفضاء، وليس فقط استعراض القدرة التقنية.
  • تأهيل كوادر وطنية قادرة على قيادة البرامج العلمية.

أسهمت هذه الجهود في رفع مكانة المملكة على المستوى العربي وتقديم نموذج عربي ناجح لدمج العلوم الفضائية ضمن مسارات التنمية الوطنية.

 

رؤية 2030 في تطوير قطاع الفضاء

لا يمكن فصل كل ما تحقق في مجال الفضاء عن رؤية السعودية 2030 التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي تهدف إلى تنويع مصادر الاقتصاد الوطني، وتحويل المملكة إلى مركز عالمي في الابتكار والتقنية.

ويمثل قطاع الفضاء أحد أهم القطاعات الاستراتيجية التي تراهن عليها الرؤية في تعزيز الاقتصاد المعرفي، وتحقيق الريادة العلمية، وإلهام الجيل الجديد من الشباب.

 

ما تقوم به السعودية اليوم في مجال الفضاء هو مشروع وطني متكامل يحمل بين طياته طموح علمي، واقتصادي وثقافي، حيث تجاوزت المملكة مرحلة الانبهار بالفضاء إلى مرحلة الاستثمار فيه، وها هي تبني منظومة متكاملة من المؤسسات، والعقول، والتقنيات التي تفتح آفاق واسعة للمستقبل.

ومع تزايد الاستثمارات والاهتمام المجتمعي والتعليم الجامعي بالفضاء، فإن المملكة العربية السعودية مرشحة لتكون في مقدمة الدول العربية، وربما الإقليمية، التي سيكون لها دور محوري في استكشاف الفضاء وتوظيفه في خدمة الإنسانية.