مدينة الملك عبد الله .. وجهة جديدة للاقتصاد العالمي

 

مدينة الملك عبد الله الاقتصادية (KAEC) تعد واحدة من أهم المشاريع التنموية العملاقة في المملكة العربية السعودية، تم الإعلان عن تأسيسها من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في عام 2005. تقع المدينة في محافظة رابغ بمنطقة مكة المكرمة، على ساحل البحر الأحمر في منطقتي القضيمة وصعبر، وتعتبر من أكبر المدن الاقتصادية الجديدة في العالم. هذا المشروع الطموح يهدف إلى تعزيز الاقتصاد السعودي بعيداً عن الاعتماد على النفط من خلال استقطاب الاستثمارات المحلية والدولية وتوفير فرص عمل للشباب السعودي.

 

 

أهمية المشروع والتأسيس

جاء إنشاء مدينة الملك عبد الله الاقتصادية ضمن إطار رؤية المملكة لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة. بمساحة تبلغ 173 كيلومتر مربع، تطمح المدينة إلى أن تكون مركز اقتصادي عالمي  يهدف إلى وضع المملكة بين أفضل 10 دول جاذبة للاستثمار بحلول عام 2030. ورغم أن المشروع كان طموح للغاية، إلا أن مراحله الأولى تم إنجازها بالفعل بحلول عام 2010، مع توقع اكتمال كافة مراحله بحلول عام 2030.

تم تأسيس المدينة على ساحل البحر الأحمر، وهي تقع على بعد حوالي 100 كيلومتر شمال جدة، وعلى مقربة من المدن الإسلامية المقدسة مكة المكرمة والمدينة المنورة، والمدينة تتميز بموقعها الاستراتيجي الذي يعزز من قدرتها على جذب الاستثمارات الدولية والمحلية. المدينة مقسمة إلى ستة مناطق رئيسية تشمل منطقة صناعية، ميناء بحري، مناطق سكنية، منتجع بحري، منطقة تعليمية، ومنطقة الأعمال المركزية.

 

شركة إعمار المدينة الاقتصادية

هي المطور الرئيسي للمدينة، وهي شركة عقارية مدرجة في البورصة السعودية (تداول). تم تأسيس الشركة خصيصاً لتطوير هذا المشروع الكبير، وهي مدعومة من قبل شركة إعمار العقارية التي تتخذ من دبي مقراً لها، إلى جانب عدد من المستثمرين رفيعي المستوى من المملكة. شركة إعمار العقارية، التي تعد واحدة من أكبر شركات التطوير العقاري في العالم، تدير عمليات التخطيط والبناء في المدينة، وتواصل لعب دور كبير في تنفيذ مراحل المشروع المختلفة.

 

الاكتتاب العام والمستثمرون

حققت شركة إعمار المدينة الاقتصادية إنجاز كبير عندما طرحت أسهمها للاكتتاب العام في يوليو 2006، حيث شهد الاكتتاب مشاركة ما يزيد عن نصف المواطنين السعوديين. هذا الإقبال الكبير يعكس الثقة العالية التي يوليها المستثمرون والمواطنون لهذا المشروع الاقتصادي الكبير. تواصل الشركة تقديم حوافز ومزايا للمستثمرين، منها الملكية الأجنبية بنسبة 100%، والإعفاءات الضريبية، وتسهيلات في الحصول على التصاريح والتراخيص اللازمة للإقامة والعمل. 

 

البنية التحتية والمرافق

تبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع حوالي 100 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 375 مليار ريال سعودي. تعمل المدينة على توفير بنية تحتية عالمية المستوى تشمل شبكة طرق متقدمة، موانئ بحرية ومطارات دولية، بالإضافة إلى مرافق خدمية وترفيهية تسهم في تعزيز جودة الحياة للمقيمين والزوار على حد سواء. 

 

ميناء الملك عبد الله

يعد ميناء الملك عبد الله واحد من أهم الأصول الاقتصادية في المدينة. يمتد على مساحة 2.5 مليون متر مربع ويعتبر أكبر ميناء في الشرق الأوسط وواحد من أكبر الموانئ في العالم. منذ بدء تشغيله، تمكن الميناء من نقل أكثر من نصف مليون حاوية. ويجري توسيع الميناء لزيادة طاقته الاستيعابية إلى 4 ملايين حاوية سنوياً. يمثل الميناء نقطة ربط رئيسية بين المملكة العربية السعودية والعالم، حيث يوفر وصلة تجارية بين آسيا، أفريقيا، وأوروبا، مما يعزز من مكانة المملكة كمحور لوجستي إقليمي.

بالإضافة إلى دوره في الشحن والتجارة، سيساهم الميناء في تسهيل حركة الحج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث سيكون قادر على استقبال 300,000 حاج بشكل سنوي..

 

المنطقة الصناعية

تعتبر المنطقة الصناعية في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية واحدة من أكبر المناطق الصناعية في المملكة، وتضم عدد ضخم من الشركات العالمية والمحلية. تتضمن المرحلة الأولى من هذه المنطقة مساحات مبنية تبلغ 6.24 مليون متر مربع، وتتركز الصناعات فيها على مجالات مثل الأدوية، الأغذية، والصناعات الثقيلة. تُعد هذه المنطقة الصناعية رافد مهم للاقتصاد الوطني، حيث توفر آلاف الوظائف وتساهم في تنويع الاقتصاد المعتمد على النفط.

في فبراير 2012، أكد أحمد لنجاوي، رئيس قطاع الصناعة والخدمات في المدينة، أن إجمالي الأراضي الصناعية المتاحة تبلغ حوالي 8 ملايين متر مربع. كما تضم المنطقة مختبرات للأبحاث والتطوير.

 

الأحياء السكنية والتجارية

تمثل الأحياء السكنية جزء مهم من المدينة، حيث تضم 5 أحياء سكنية رئيسية تهدف إلى استيعاب نصف مليون شخص مقيم دائم. ومن بين هذه الأحياء:

- حي المروج: حصل على جائزة "أفضل حي سكني متعدد الاستخدامات" لعام 2018.

- حي البيلسان: أحد الأحياء الأكثر شهرة بموقعه الساحلي.

- حي التالة جاردنز: يضم مجموعة من الفيلات والمرافق السكنية الفاخرة.

- حي الواحة: يتميز بتصميمه المعماري العصري.

- حي الشروق: يقدم حلولًا سكنية متوسطة المستوى للعائلات.

هذه الأحياء توفر مرافق سكنية عصرية تشمل مدارس، مستشفيات، مراكز تسوق، ومناطق ترفيهية.

مركز المدينة والكورنيش

يحتوي مركز المدينة على منشآت تجارية متكاملة، تشمل مراكز تسوق ومرافق ترفيهية. كما يضم المركز كورنيش بحري يوفر إطلالات ساحرة على البحر الأحمر. الكورنيش يحوي أيضاً على نادي لليخوت ومنشآت رياضية وترفيهية.

 

المنطقة التعليمية

تولي مدينة الملك عبد الله الاقتصادية أهمية كبيرة للتعليم والتدريب، حيث تضم منطقة تعليمية متكاملة تشمل مدارس لجميع المراحل التعليمية، بالإضافة إلى كليات ومعاهد متخصصة ومراكز أبحاث مجهزة بأحدث التقنيات. تهدف هذه المنطقة إلى تأهيل الكوادر الوطنية والعالمية لدعم النمو الاقتصادي والمعرفي في المملكة.

 

الرؤية المستقبلية

تسعى مدينة الملك عبد الله الاقتصادية إلى أن تكون نموذج عالمي للتنمية المستدامة والابتكار الاقتصادي. يُتوقع أن تساهم المدينة في خلق ما يصل إلى مليون فرصة عمل جديدة بحلول عام 2030، وأن تكون واحدة من الوجهات الاستثمارية الرائدة في العالم. كما تسهم المدينة في تحقيق رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وزيادة الاعتماد على الاستثمارات غير النفطية.

 

مدينة الملك عبد الله الاقتصادية ليست مجرد مشروع تطوير عقاري، بل هي رؤية شاملة تسعى إلى تحويل المملكة إلى قوة اقتصادية عالمية، من خلال توفير بيئة محفزة للأعمال والاستثمار وتحقيق التنمية المستدامة.