مهرجان جدة التاريخية
تحتضن مدينة جدة الساحلية مهرجان فريد يروي قصصها القديمة ويعيد إلى الحياة جزء من تاريخها العريق. مهرجان جدة التاريخية، الذي انطلق عام 2014، يُعد من أهم الفعاليات السياحية والثقافية في المملكة العربية السعودية. يتميز هذا المهرجان بمزيجٍ من العروض التاريخية والفنية التي تركز على تسليط الضوء على منطقة جدة التاريخية، وهي واحدة من أكثر المواقع التراثية أهمية في المملكة. بفضل هذا المهرجان، أصبحت جدة التاريخية منارة تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم ليتعرفوا على الإرث الثقافي العريق للمنطقة.
انطلاقة مهرجان جدة التاريخية وأهدافه
بدأ مهرجان جدة التاريخية كجزء من مبادرة تهدف إلى دعم تسجيل جدة التاريخية في قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو. أطلقه الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في تلك الفترة، ليكون حدث يساهم في إحياء التراث ويحافظ على الملامح التاريخية للمدينة القديمة. منذ انطلاقه، اتخذ المهرجان من المواقع الأثرية التاريخية بجدة مساراتٍ وأماكن لإقامة الفعاليات، حيث تتوزع الأنشطة على مدار مسافات تبدأ من ميدان البيعة في الشمال وتمتد حتى باب مكة في الشرق. يهدف المهرجان إلى جعل جدة التاريخية مكان يحتضن الزوار ويعرفهم على التقاليد والعادات القديمة لسكانها، مع التركيز على نشر الوعي بأهمية هذه المنطقة التاريخية.
دور مهرجان جدة التاريخية في تسجيل جدة في قائمة التراث العالمي
أحد الإنجازات المهمة التي ارتبطت بمهرجان جدة التاريخية هو تعزيز ملف جدة التاريخية للانضمام إلى قائمة التراث العالمي التابعة لليونسكو. أسهم المهرجان بشكل كبير في تسليط الضوء على أهمية المنطقة، من خلال إبراز معالمها المميزة وتنظيم فعاليات تروي قصص المدينة العريقة. وأصبح دليل على اهتمام المملكة العربية السعودية بصون التراث، مما ساعد في اعتراف العالم بقيمة جدة التاريخية كموقع تراثي عالمي يستحق الاهتمام والرعاية.
فعاليات مهرجان جدة التاريخية
يضم المهرجان عدد كبير من الأنشطة التي تتنوع بين الثقافية والترفيهية، وهو تجربة شاملة تمزج بين التعليم والمتعة. كما يتميز بإقامة مجموعة من الفعاليات الثابتة التي تشمل عروض الطهي الشعبي، مثل مطبخ المركب الحجازي، حيث يمكن للزوار تذوق المأكولات التقليدية، ومتحف العملات والطوابع، ومعارض الفنون التشكيلية. كما يُفتح الباب للزوار لاستكشاف البيوت الحجازية القديمة، والتعرف على عادات أهل جدة التاريخية، بالإضافة إلى مشاهدة عروض المسرحيات الثقافية والألعاب الشعبية.
تتنوع الفعاليات إلى جانب العروض الثابتة، حيث توجد فعاليات متحركة تجول في أرجاء المنطقة مثل الباعة المتجولين والحرفيين، الذين يعيدون إلى الحياة أجواء الأسواق القديمة وأصواتها، إلى جانب أنشطة للأطفال مثل مسرح العرائس.
مبادرات شهر رمضان في مهرجان جدة التاريخية: رمضاننا كدا
يمثل شهر رمضان فرصة خاصة لمهرجان جدة التاريخية، حيث يتم تنظيم فعاليات "رمضاننا كدا"، وهي فعالية تُعنى بإبراز العادات الرمضانية الحجازية التي ترسخت على مدار السنوات. في هذه الفعالية، يمكن للزوار الاستمتاع بجولات في الأسواق التقليدية وشراء مستلزمات العيد من بسطات الكبدة والتمور. يُعرف "رمضاننا كدا" بتنظيمه الدقيق واهتمامه بالاحترافية في الإعداد، حيث تقدم الأكشاك المحلية مأكولات حجازية تقليدية شهية، تعبر عن تراث الطهي في جدة التاريخية.
في إطار هذه الفعالية، يتم تخصيص مسار محدد للزوار، حيث تشكل نسبة 60٪ من الأنشطة المأكولات الشعبية، و20٪ للتسوق، و20٪ للأنشطة الثقافية والتاريخية التي تتيح للزائرين التعرف على تفاصيل الحياة اليومية في جدة القديمة خلال شهر رمضان.
فعاليات عيد الفطر: عيدنا كدا
مع حلول عيد الفطر، يتجدد الحنين إلى الماضي من خلال فعالية "عيدنا كدا" التي تُنظم كجزء من مهرجان جدة التاريخية. هذه الفعالية تتماشى مع مراسم الاحتفال بالعيد كما اعتاد عليها أهل جدة قديماً، حيث يعمل سكان الحارة يد بيد لإحياء أجواء الفرح والتكاتف. وتعود فعالية البرزة، التي يجتمع فيه أهالي الحي لتبادل التهاني والاستمتاع بالمزمار والأغاني الشعبية. تهدف "عيدنا كدا" إلى إعادة إحياء هذه التقاليد التي تعزز الروابط الاجتماعية وتذكر الزوار بروح العيد الحجازي الأصيل.
التنظيم والإدارة: جهود كبيرة لنجاح المهرجان
لضمان نجاح مهرجان جدة التاريخية، تم تشكيل لجان تنظيمية من الجهات المعنية، بإشراف مباشر من محافظة جدة. تأخذ اللجنة العليا بقيادة محافظ جدة، الأمير مشعل بن ماجد، على عاتقها اعتماد الخطط والتنسيق مع الجهات الحكومية المختلفة لضمان سهولة تنظيم المهرجان. تشمل اللجنة أعضاء من مختلف القطاعات، بما في ذلك جامعة الملك عبد العزيز، هيئة السياحة والتراث الوطني، غرفة جدة، وشرطة المحافظة، بالإضافة إلى ممثلين عن جهات أخرى تعمل على تلبية احتياجات الزوار.
تتولى اللجنة التنفيذية، برئاسة ممثل من محافظة جدة، مسؤولية التنفيذ اليومي للفعاليات قبل شهرين من انطلاق المهرجان، وتعمل على تيسير الخدمات الميدانية. يشمل ذلك تشكيل لجان فرعية متخصصة، مثل اللجنة الأمنية ولجنة الخدمات ولجنة الفعاليات، لضمان سير الفعاليات بسلاسة وراحة الزوار.
النسخة الأولى من مهرجان جدة التاريخية
تم إطلاق النسخة الأولى من المهرجان في 15 يناير 2014، بتنظيم مشترك بين شركة بنش مارك ومؤسسة "جدة وأيامنا الحلوة". تولت بنش مارك مسؤولية التصميم والتنفيذ، بينما قدمت المؤسسة الاستشارات وتحديد استراتيجية المهرجان وهويته. حضر حفل الافتتاح الذي رعاه الأمير سلطان بن سلمان، 3000 شخص، وشهد عرض أوبريت "خير البحر"، الذي جسد لوحات تمثيلية تُبرز تاريخ جدة وتطورها على مر العصور.
تجسدت في اللوحات أحداث مثل نشأة جدة قبل 2600 عام، وتحولها لميناء رئيسي للحجاج والمعتمرين بأمر الخليفة عثمان بن عفان، ثم دخول الملك عبد العزيز إلى جدة، وصولاً إلى ما أصبحت عليه اليوم. شارك في الأوبريت أكثر من 200 ممثل ومؤدٍ، حيث أخرجت اللوحات بأفضل التقنيات المرئية والموسيقية المتاحة.
الإقبال الجماهيري والنجاح المستمر
شهد المهرجان إقبال واسع من الزوار في دوراته الأولى، حيث بلغ عدد الزوار حتى نهاية النسخة الثانية حوالي 3.8 مليون زائر. هذا الإقبال الكبير يعكس اهتمام الجمهور المحلي والعالمي بتاريخ جدة وتراثها الثقافي، كما يؤكد نجاح المهرجان في تقديم فعاليات متنوعة تلبي تطلعات الزوار من مختلف الأعمار والخلفيات.
أهمية مهرجان جدة التاريخية للمجتمع
لا يقتصر مهرجان جدة التاريخية على الترفيه فقط، بل يحقق فوائد عديدة للمجتمع. فهو يساهم في تعزيز الفخر بالتراث الوطني ويقدم فرص اقتصادية للأسر المنتجة والفنانين المحليين. كما يشجع المجتمع على الحفاظ على تقاليد جدة العريقة، ويعزز الروابط الاجتماعية من خلال تنظيم فعاليات تعيد إلى الأذهان صور التعاون والتكاتف بين أهل الحي الواحد.
مع استمرار نجاح مهرجان جدة التاريخية وتزايد أعداد الزوار، يبقى الأمل أن يستمر المهرجان في التطور وإضافة المزيد من الفعاليات التي تُعبر عن روح جدة وتاريخها. يمثل المهرجان مبادرةً رائعة تُجسد التقاء الماضي بالحاضر، وتتيح للأجيال الحالية والمستقبلية فرصة للتعرف على عادات وتقاليد المملكة العريقة، مما يسهم في ترسيخ الهوية الوطنية والحفاظ على التراث.