القرى المعلقة في السعودية

 

في جبال السعودية الشاهقة، والمنحدرات الوعرة، تجد قرى السعودية المعلقة التي تعبر شاهد ودليل على قدرة الإنسان على التكيف مع جميع العوامل والتضاريس الصعبة، حيث تجد في القرى المعلقة الجمال البيئي والقوة والإبداع، حيث كانت مجتمعات نابضة بالحياة وتروي قصص وتاريخ محفور على صخور الجبال، وأصبحت اليوم من أهم الأماكن والمراكز السياحية في المملكة العربية السعودية، وتعبر عن التنوع الثقافي والحضاري الذي تملكه المملكة، والذي يدل على عمقها في التاريخ.

 

 

ماهي القرى المعلقة؟

هي عبارة عن مجمعات سكنية على رؤوس الجبال أو على السفوح الشاهقة، وتم بناؤها من موارد طبيعية بشكل كامل، مثل خشب الأشجار والحجارة الجبلية، وتجد فيها الحصون المنيعة بسبب طبيعتها الجغرافية التي تجعل منها صعبة المنال من الأعداء في ذلك الوقت، تتوزع القرى المعلقة في المنطقة الجنوبية الغربية للمملكة العربية السعودية وهي عسير والباحة، وهذه المناطق تتميز بالطبيعة الخلابة والجبلية التي حولها الإنسان لفرصة للحياة رغم صعوبتها وارتفاعها الشاهق.

قرية ذي عين

يعرفها السكان المحليون بالقرية الرخامية، وتقع جنوب غرب مدينة الباحة، وسبب تسميتها بـالرخامية هو وجود الصخور البيضاء التي تغطي الأرض وتلمع تحت أشعة الشمس لتشكل منظر رخامي بديع، يقدر عمر هذه القرية بأكثر من 400 عام، وأطلق عليها اسم ذي العين لكثرة عيون المياه التي تنبع في أعالي الجبال وتصب في أراضيها مشكّلةً سواقي للزراعة والسقاية الحيوانات.

يوجد في القرية قرابة 49 منزل تم بناؤه من الحجارة الجبلية الطبيعة، هذه البيوت مكونة إما من طابق أو طابقين، وقد تجد بعضها أكثر من ذلك حيث يصل إلى أربعة طوابق، عند التأمل في شكل المنازل في القرية تجدها منظّمة بشكل مبهر على سفح الجبل تدريجياً لتحاكي المساحات الزراعية المحيطة بها.

تعتمد القرية على نظام الري من السواقي التي تنبع من سفوح الجبال، ويزرع الأهالي فيها الموز والريحان والنخيل أيضاً، تعطي هذه المزروعات منظر طبيعي رائع وسط صخور القرية البيضاء، حيث أصبحت من أهم الوجهات السياحية وتم إدراجها في القائمة التمهيدية لمنظمة اليونسكو لقيمتها التاريخية والمعمارية المميزة.

قرية رجال ألمع

من أشهر القرى التراثية في المملكة العربية السعودية، وتقع تحديداً في محافظ رجال ألمع في منطقة عسير جنوب المملكة، ولها أهمية ثقافية وتاريخية كبيرة في المنطقة، تجد فيها أكثر من 60 منزل حجري، مكونة من عدة طوابق، وقد يصل بعضها إلى 7 طوابق، تم بناؤها باستخدام الطين والحجر وبحرفية عالية، كما يدخل خشب الأشجار ببناء بعض المباني، وتم زخرفة واجهات المنازل الخارجية بزخارف سعودية تراثية تُعرف بالقط العسيري نسبة إلى منطقة عسير، وهو فن نسائي فيه ألوان جذابة ورسوم هندسية مزخرفة. 

حازت قرية رجال ألمع على جائزة مدن من أجل التراث في مؤتمر التراث العالمي لعام 2007، وذلك بفضل احتضانها لثقافات متنوعة وعديدة ظهرت لنا وانعكست في الطراز المعماري المميز، والعادات والتقاليد المتنوعة واللهجات العديدة، كما أنها كانت مركز تجاري على طريق القوافل التجارية بين اليمن ومكّة المكرّمة، تستقبل قريبة رجال ألمع آلاف الزوار بشكل سنوي ليروا هذه الحضارة والتنوع الثقافي المميّز.

قرية السودة

في غرب مدينة أبها وعلى أعالي جبال السروات، تتربع قرية السودة فوق الغيوم، وهي أعلى قرية معلقة في المملكة العربية السعودية، حيث يقدر ارتفاعها عن مستوى سطح البحر بأكثر من 3000 متر، تتميّز قرية السودة بغابات العرعر الكثيفة والطبيعة الخلابة، والبيوت الحجرية ذات الأسقف الخشبية.

أما مناخها فهو ضبابي بارد حتى في الصيف، تقام فيها فعاليات تجذب الزوار لها مثل موسم السودة الذي يأتي إليه الناس من جميع أنحاء العالم، لذا هي من أهم الوجهات السياحية ذات الطابع الفريد والمميز في العالم وليس في السعودية فحسب، وبالرغم من عمل الحكومة على تطوير المرافق والبنى التحتية السياحية في القرية، إلا أنها ما زالت محافظة على أصالتها التاريخية.

قرى أخرى معلقة: 

يوجد في المملكة العربية السعودية العديد من القرى المعلقة لكنها مهجورة أو شبه مهجورة، وتتوزع في المناطق الجنوبية مثل عسير وحايل والنماص وبلقرن، وهي قُرى حبلة وآل يوسف التي تشتهر بالبيوت الحجرية الملتصقة بالجبال وكأنها جزء منها.

توجد هذه القرى ضمن الخطط التطويرية التي تعمل عليها المملكة ضمن رؤية 2030 لتعزيز السياحة في السعودية، حيث يتم التخطيط لمشاريع ترميم هذه القرى وإعادة إحياءها لتصبح ضمن الوجهات المهمة في المملكة العربية السعودية.

الدلالات الثقافية والتراثية للقرى المعلقة في السعودية

تعبر القرى المعلقة منجم للتراث الغير المادي في المملكة، وتحميل معاني ثقافية وتراثية عميقة، حيث تمثل نموذج للحياة القديمة في الجبال وتوضح قدرة الإنسان على التكيف مع البيئات الصعبة، كما تبين لنا الطرق الزراعية القديمة والتقليدية.

لاقت القرى المعلقة اهتمام متزايد من الجهات الرسمية في المملكة، وعلى رأسها وزارة الثقافة وهيئة السياحية، عن طريق تأهيل وتسجيلها في مواقع التراث العالمية.

التأثير على السياحة والاقتصاد المحلي

بفضل الحملات الترويجية التي تقوم بها المملكة لتعزيز القطاع السياحي، شهدت القرى المعلقة نسبة زوار كبيرة في السنوات القليلة الماضية، حيث أصبحت نقطة جذب سياحي مهم جداً، خاصة مع إقامة الفعاليات السنوية مثل مهرجان رجال ألمع وموسم السودة.

تعتبر القرى المعلقة ذاكرة معمارية وإنسانية تملؤها المناظر الطبيعية الخلابة، وتروي قصص أجيال وأجيال تلاحمت مع الطبيعة وتفاعلت معها لتدل على عمق الهوية السعودية في التاريخ الإنساني والحضاري، ولا شكَّ أنَّ زيارة القرى المعلقة في المملكة العرية السعودية تجربة لا يمكن تفويتها أبداً.