بين جبال تبوك المكسوّة بالثلوج، وشواطئ البحر الأحمر الدافئة، يتنوع المناخ في شتاء المملكة العربية السعودية لتتنوع معه التجارب والأنشطة والوجهات، الأمر الذي يجعل من الشتاء هناك موسم استثنائي للسياحة والمغامرة والاستجمام. أصبحت المملكة خلال السنوات الأخيرة مركز متكامل للسياحة الشتوية بفضل التنوع الطبيعي، والبنية التحتية الحديثة، والفعاليات الكبرى التي تنظمها وزارة السياحة وهيئة الترفيه ضمن مبادرات مثل "موسم الرياض"، “الشتاء حولك” و“موسم الشتاء السعودي”.
في هذا المقال، نستعرض أبرز الوجهات الشتوية التي تجذب الزوار من داخل المملكة وخارجها، ونغوص في تفاصيل التجربة التي تجعل من الشتاء السعودي رحلةً لا تُنسى.
موسم الرياض.. الحدث الأضخم في شتاء السعودية
أحد أكبر وأشهر المواسم الترفيهية في الشرق الأوسط والعالم. يقام الموسم عادة بين شهري أكتوبر ومارس، في الأجواء الشتوية المعتدلة في العاصمة، ويحوّل الرياض إلى وجهة عالمية تنبض بالحياة والفنون والموسيقى والرياضة والترفيه.
يُعد موسم الرياض مشروع مميز ضمن رؤية 2030، إذ جعل الرياض مركز للفعاليات العالمية، وأصبحت تستقطب الزوار من مختلف دول العالم للاستمتاع بتجربة سياحية وثقافية متكاملة. وقد نجح الموسم في كل عام في تقديم مفهوم جديد للترفيه، يظهر الأصالة السعودية والابتكار العالمي.
أبرز ملامح موسم الرياض:
- المناطق الترفيهية: يضم الموسم أكثر من 12 منطقة رئيسية، أبرزها بوليفارد رياض سيتي، وونتر وندرلاند، والعاذرية، وفيا رياض، ولكل منها هوية مميزة تجد فيها الفخامة والمرح والتجارب العائلية والفنية.
- الفعاليات والعروض: يستضيف الموسم حفلات موسيقية لفنانين عالميين وعرب، وعروض مسرحية وسيرك ومعارض فنية، إلى جانب مهرجانات الطعام وسباقات السيارات.
- الرياضة والمغامرات: من أبرز فعالياته عروض WWE، والمباريات الاستعراضية لأشهر أندية كرة القدم العالمية، ومهرجانات الألعاب الإلكترونية التي تجذب عشاق التحدي من مختلف الأعمار.
- التجارب الفاخرة: يقدم الموسم تجارب استثنائية من خلال المطاعم العالمية المؤقتة (Pop-up Restaurants) والمقاهي الراقية وتجارب التسوق من أرقى العلامات التجارية الدولية.
يشكّل موسم الرياض اليوم ذروة النشاط السياحي الشتوي في المملكة، ويعكس صورة المملكة الحديثة والانفتاح الثقافي. كما يُبرز الموسم قدرة المملكة على تنظيم فعاليات عالمية بمعايير متقدمة، ويعزّز مكانة الرياض كعاصمة للترفيه والثقافة في المنطقة.
وادي الديسة.. سحر الطبيعة في تبوك
على بعد نحو 260 كيلومتر من مدينة تبوك، يتجلّى وادي الديسة كلوحة فنية رسمتها الطبيعة. بين الجبال الرملية الشاهقة وأشجار النخيل والمياه الجارية على امتداد الوادي، يجد الزائر نفسه في وادي يعكس جمال الصحراء وروح الواحات.
في الشتاء، تصبح الديسة وجهةً مثالية لمحبي الطبيعة والمغامرة، إذ يكون الطقس معتدل ومناسب للتخييم، وقيادة الدراجات الجبلية، واستكشاف الكهوف والمنحدرات.
كما يُعرف الوادي بآثاره القديمة ونقوشه النبطية، مما يمنح الرحلة بُعد ثقافي إلى جانب الجمال الطبيعي. وكثير من الزوّار يصفونه بأنه "قطعة من وادي رم الأردني" ولكن بنكهة سعودية أصيلة.
العلا.. تاريخ يلتقي بالشتاء
في شمال غرب المملكة، تُعد العُلا واحدة من أهم الوجهات الشتوية والثقافية في السعودية. بدرجات حرارة لطيفة خلال النهار وبرودة مريحة في الليل، تحتضن العلا فعاليات عالمية ضمن موسمها السنوي، مثل مهرجان شتاء طنطورة، الذي تجد فيه الموسيقى والفن والتراث.
الزائر هنا لا يكتفي بمشاهدة الطبيعة الصخرية الخلابة في "مدائن صالح" أو "جبل الفيل"، بل يعيش تجربةً متكاملة تمتزج فيها الضيافة السعودية بالفخامة المعاصرة.
وتُعدّ العلا اليوم مركز للسياحة الثقافية والمغامرات الصحراوية، مع رحلات مناطيد الهواء، وجولات المشي بين الأخاديد، وحفلات موسيقية في مواقع أثرية مفتوحة.
أبها وتنومة.. سحر الجبال والضباب
في الجنوب الغربي، يطلّ إقليم عسير كواحد من أجمل المناطق الجبلية في المملكة.
مدينة أبها، عاصمة المنطقة، تتزين بالغيوم حتى في الشتاء، وتُعرف بحدائقها الكثيرة ومنتزهاتها المطلة على الجبال، مثل جبل السودة ومنتزه المسقي وقرية الحبلة.
أما تنومة القريبة منها، فهي وجهة لعشّاق الهدوء والطبيعة، حيث الغابات الكثيفة من العرعر والوديان العميقة التي يغمرها الضباب في أغلب أيام الشتاء.
تتميز المنطقة بطابعها الريفي وثقافتها المحلية الغنية، وتُعد مثالية لمحبي التخييم والمغامرات الجبلية بعيداً عن صخب المدن.
الطائف.. رائحة الورد في أعالي الجبال
تقع الطائف على ارتفاع 1700 متر فوق سطح البحر، وتُعد من الوجهات الشتوية المميزة بفضل أجوائها المعتدلة ومناظرها الجبلية.
في الشتاء، تصبح المدينة أكثر هدوء ودفئ مقارنة بصيفها المزدحم. يمكن للزوار الاستمتاع بجولات في سوق عكاظ التاريخي، أو زيارة الشفا والهدا لمشاهدة الضباب يلفّ الجبال، أو قضاء يوم بين مزارع الورد الشهيرة التي جعلت الطائف تُعرف باسم "عروس المصايف".
الدرعية والرياض.. ملتقى الثقافة والفعاليات
العاصمة الرياض تتحوّل في الشتاء إلى مركز للفعاليات الثقافية والترفيهية الكبرى، ضمن برامج مثل موسم الرياض وموسم الدرعية.
في حيّ الدرعية التاريخي، يمكن للزائر أن يعيش تجربةً فريدة ضمن أحياء الطين القديمة، ويستمتع بعروض الضوء والموسيقى في بوابة الطريف، أو يقضي أوقات راقية في المقاهي والمطاعم الفاخرة المطلة على الوادي.
في المقابل، تحتضن المدينة عشرات الفعاليات الشتوية مثل المهرجانات الموسيقية، وسوق الأزياء، والعروض المسرحية، مما يجعلها وجهةً حضرية مثالية لعشّاق الحياة العصرية.
حائل والقصيم.. شتاء الصحراء الأصيلة
لمن يفضلون دفء الصحراء على برد الجبال، فإن شمال وسط المملكة يقدم تجربة لا تُنسى.
في حائل والقصيم، تُقام فعاليات "الشتاء حولك" التي تقدم سباقات الإبل، والمهرجانات الشعبية، والأنشطة التراثية مثل الطهي والمقاهي الشعبية.
كما تستقطب الكثبان الرملية في نفود حائل محبي رحلات السفاري والتخييم تحت السماء الصافية، وهي من أجمل التجارب الشتوية في الجزيرة العربية.
الشرقية والساحل الغربي
بالرغم من برودة المناطق الداخلية، تبقى السواحل السعودية خيار رائع في الشتاء.
من شاطئ نصف القمر في الخبر إلى شواطئ أملج وينبع وجزر فرسان، توفر هذه المناطق أجواء دافئة نسبياً، وأنشطة بحرية مثل الغوص وصيد الأسماك وركوب القوارب.
وتمثل هذه الوجهات ملاذ للباحثين عن شمس هادئة بعيداً عن البرد الشديد، مع توفر منتجعات سياحية وخدمات متكاملة.
السياحة الشتوية: مناخ متنوع وتجارب متجددة
يمتاز الشتاء في السعودية بتنوع مناخي فريد، هذا التنوع جعل من المملكة وجهة متكاملة للسياحة الشتوية، والمغامرة والهدوء، بين الطبيعة والثقافة، وبين الفخامة والبساطة.
كما تعمل وزارة السياحة على تطوير مبادرة “السياحة الريفية” لتشجيع زيارة القرى الصغيرة والتعرف على تراثها، ضمن حملة “شتاء حولك” التي تروج لأكثر من 15 وجهة داخلية تغطي جميع مناطق المملكة.
من تبوك إلى أبها، ومن الرياض إلى البحر الأحمر، تمتد المملكة كقارة مصغرة تجمع كل مظاهر الجمال الشتوي، حيث تقدم نموذج عربي فريد للسفر في الشتاء, حيث الثلج والرمال، التاريخ والمستقبل، والضيافة
