جهود السعودية لتطوير الجيل السادس (6G) من خدمات الإنترنت
تتحرك المملكة العربية السعودية بخطوات مدروسة نحو مستقبل اتصالات يتجاوز حدود الجيل الخامس، إذ بدأت فعلياً في وضع الأسس العلمية والتنظيمية والتقنية التي ستمهد لظهور الجيل السادس (6G) خلال العقد القادم. هذا التوجه المبكر ليس رفاهية تقنية، بل ضرورة استراتيجية تتماشى مع طموحات المملكة في بناء اقتصاد معرفي ومدن ذكية فائقة التطور، حيث تصبح الاتصالات عالية الكفاءة جزء من الحياة اليومية ومن بنية الدولة الحديثة.

البداية: لماذا 6G (الجيل السادس)؟
تعتبر شبكات الجيل السادس الجيل الذي سيمنح الإنترنت "ذكاءه الحقيقي".فهي منظومة قادرة على التفكير، والتنبؤ، والتفاعل، وربط الواقع المادي بالافتراضي والرقمي بطريقة سلسة.
من المتوقع أن يوفّر 6G:
- سرعات تصل إلى تيرابت في الثانية
- زمن استجابة يقترب من الصفر
- تغطية متواصلة عبر الأرض والسماء
- قدرة هائلة على التعامل مع البيانات الفورية الضخمة
- اندماج طبيعي بين الشبكات والذكاء الاصطناعي
وهذه الخصائص ليست بعيدة عن حاجات المشاريع العملاقة مثل نيوم وذا لاين، حيث تعتمد البنية بالكامل على إنترنت متفوق قادر على تشغيل ملايين الحساسات، والروبوتات، وأنظمة التنقل الذكية في الوقت الفعلي.
تجربة 7 غيغاهيرتز: خطوة سعودية لافتة
أول اختبار فعلي للجيل السادس في المنطقة جاء من السعودية في أكتوبر 2025 أعلنت هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية عن نجاح تجربة ميدانية على نطاق 7.125 – 8.4 GHz بالشراكة مع stc ونوكيا.
هذا النطاق يوصف عالمياً بـ "النطاق الذهبي" للجيل السادس لأنه يحقق التوازن المثالي بين:
- سرعة عالية
- تغطية مستقرة
- كفاءة استخدام الطيف
التجربة استخدمت معدات متقدمة من نوكيا بتقنية Massive MIMO، وجرى خلالها قياس أداء 6G مقابل شبكة 5G تعمل بفعالية. وكانت النتيجة واضحة وهي تحسن كبير في معدل النقل، وثبات الإشارة، وسرعة الاستجابة.
بهذه التجربة، أرسلت السعودية رسالة واضحة للعالم مفادها أنها لن تنتظر ظهور 6G، بل ستشارك في صناعته.
البعد العلمي: جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في مقدمة السباق
على المستوى البحثي، تتحول جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (KAUST) إلى منصة سعودية لإنتاج المعرفة الخاصة بالجيل السادس.
فهي تعمل على:
- أبحاث الاتصالات الضوئية (Free Space Optics)
- الاتصالات بترددات التيراهيرتز
- الأسطح الذكية العاكسة (RIS)
- الذكاء الاصطناعي الشبكي
- تحسين استهلاك الطاقة في الشبكات المستقبلية
وهناك شراكة ممتدة بين KAUST وشركة إريكسون تهدف إلى تطوير حلول 5G و6G، بما يشمل الشبكات ذاتية التنظيم واستخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة الطيف وتحسين جودة الخدمة.
الاستعداد التنظيمي: بيئة تواكب المستقبل
لم يكن الجانب التنظيمي أقل حماس من الجانب التقني، فقد أطلقت هيئة الاتصالات وثيقة "في الطريق إلى 6G"، وهي خارطة طريق مستقبلية تشمل:
- تقييم الطيف المناسب للجيل السادس
- تشجيع الابتكار والبحث والتطوير
- دعم الاستثمار في البنية التحتية المتقدمة
- إدماج الشبكات الأرضية وغير الأرضية (NTN)
- تعزيز التعاون الدولي في وضع المعايير
هذا النظام التنظيمي يجعل السعودية في موضع متقدم عند بدء الاعتماد التجاري للشبكات المستقبلية.
كيف يمكن أن تغير 6G شكل الاقتصاد السعودي؟
الجيل السادس سيكون تقنية اتصالات، وقوة اقتصادية. عندما تمتلك المملكة شبكة أسرع وأكثر ذكاء، فإن ذلك سينعكس على كل قطاع تقريباً.
المدن الذكية
مشاريع مثل نيوم التي تعتبر بيئات رقمية بالكامل. ستكون قادرة على تشغيل أنظمتها المعقدة مثل النقل الذاتي، ومراقبة البيئة لحظياً وإدارة الطاقة الذكية كما ستساعد في تفعيل الروبوتات السحابية والخدمات الحكومية الفورية ودعم الصناعة
مع 6G تصبح المصانع السعودية قادرة على:
- تشغيل روبوتات متصلة سحابياً
- تنفيذ صيانة تنبؤية
- إدارة خطوط إنتاج ذاتية
- تبادل البيانات بين الآلات بدون تأخير
الطب:
يمكن للقطاع الصحي الاستفادة من:
- الجراحة عن بُعد بدقة عالية
- التواصل اللحظي بين الأجهزة الطبية
- العيادات الافتراضية فائقة الجودة
السياحة والترفيه
ستسمح 6G بتجارب رقمية تحوّل مفهوم السياحة، مثل:
- جولات افتراضية فورية
- دمج الواقع المعزز في المواقع الأثرية
- ألعاب سحابية بدون أي تأخير
المستقبل: نحو دور قيادي عالمي
من الواضح أن المملكة تهدف إلى أن تكون من أوائل الدول التي تعتمد الجيل السادس، فالتجارب المبكرة، والبحث العلمي المتقدم، والدعم الحكومي الواسع، كلها مؤشرات على رغبة السعودية في لعب دور قيادي عالمي في الاتصالات المتقدمة.
من المتوقع خلال السنوات القليلة المقبلة أن تتوسع التجارب الميدانية، وأن تبدأ أعمال تجهيز الطيف وتطوير حلول أولية تُدمج في المدن الذكية، استعداداً لمرحلة يمكن أن تبدأ تجريبياً بين 2028 و2030.
من خلال الجمع بين التجارب المتقدمة، والبحث العلمي، والتنظيم الذكي، والشراكات الدولية، تبدو المملكة اليوم في موقع يسمح لها بالمنافسة عالمياً في سباق الجيل السادس، وربما قيادة بعض جوانبه.
ومع استمرار هذا الزخم، يتجه العالم نحو نقطة يصبح فيها اسم السعودية جزء أساسي من قصة تطور الاتصالات الحديثة.