صفقة استحواذ السعودية على شركة EA games العالمية

 

في خطوة تُعدّ من الأضخم في تاريخ صناعة الترفيه التفاعلي، أعلنت شركة EA Games إحدى أكبر شركات تطوير الألعاب في العالم عن توقيع اتفاقية استحواذ كاملة عليها من قِبل صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF)، إلى جانب شركتي Silver Lake و Affinity Partners، في صفقة بلغت قيمتها نحو 55 مليار دولار أمريكي.

الصفقة التي وُصفت بأنها (أكبر عملية استحواذ في تاريخ صناعة الألعاب)، أثارت موجة واسعة من التحليلات والتساؤلات حول الدوافع السعودية، والانعكاسات المحتملة على مستقبل الشركة الأمريكية وعلى سوق الألعاب عالمياً.

 

 

تفاصيل الصفقة

بحسب البيان الرسمي الصادر عن شركة EA، فإن التحالف الاستثماري بقيادة الصندوق السيادي السعودي سيقوم بشراء كامل أسهم الشركة مقابل 210 دولارات للسهم الواحد نقداً، أي بعلاوة تقارب 25% على سعر السهم قبل الإعلان عن المفاوضات.

وسيموَّل جزء من الصفقة عبر قرض ضخم بقيمة 20 مليار دولار من بنك JPMorgan، بينما تغطي الأطراف الاستثمارية الباقي من رأس المال المباشر.

وبموجب الاتفاق، ستُصبح EA شركة خاصة غير مدرجة في البورصة، فيما سيبقى أندرو ويلسون في منصبه كرئيس تنفيذي، مع بقاء المقر الرئيسي للشركة في ريدوود سيتي، كاليفورنيا.

هذه العملية، التي يُتوقع اكتمالها في منتصف عام 2026 بعد نيل الموافقات التنظيمية، ستنهي حقبة امتدت لعقود كانت فيها EA واحدة من أبرز الشركات المدرجة في سوق "ناسداك"، بقيمة سوقية قاربت 45 مليار دولار قبل الصفقة.

 

لماذا EA؟ ولماذا الآن؟

اختيار Electronic Arts لم يكن صدفة. فالشركة تمتلك واحدة من أغنى مكتبات المحتوى الترفيهي في العالم: FIFA (EA Sports FC)، Battlefield، The Sims، Need for Speed، وApex Legends، وهي عناوين تُدرّ مليارات الدولارات سنوياً من المبيعات والاشتراكات والمحتوى الإضافي داخل الألعاب.

يرى خبراء الاقتصاد الرقمي أن الصفقة تأتي في إطار رؤية السعودية لتنويع مصادر دخلها بعيداً عن النفط، وبناء قاعدة استثمارية قوية في الصناعات المستقبلية.

ويقول المحلل الاقتصادي الأمريكي "جوناثان ميلر" في حديث لوكالة رويترز:

"الرياض لا تشتري مجرد شركة ألعاب... إنها تشتري موقع قيادي في صناعة رقمية تمثل مستقبل الترفيه العالمي."

فمن خلال صندوق الاستثمارات العامة وذراعه المتخصصة Savvy Games Group، ضخت السعودية خلال السنوات الأخيرة مليارات الدولارات في قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية.

وفي 2022، استحوذت "Savvy" على شركة "Scopely" مقابل 4.9 مليارات دولار، كما استثمرت في شركات كبرى مثل "Activision Blizzard" و"Nintendo" و"Take-Two".

لكن صفقة EA تمثل نقلة نوعية، كونها تضع السعودية في قلب صناعة الألعاب العالمية، لا كمستثمر فقط، بل كمالك مباشر لأحد أكبر الناشرين في العالم.

 

دوافع استراتيجية تتجاوز الألعاب

من الناحية الاستراتيجية، تأتي هذه الصفقة منسجمة مع رؤية السعودية 2030، التي تضع الاقتصاد الإبداعي والتقني ضمن ركائز التحول الوطني.

قطاع الألعاب، بحسب تقديرات الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، يُتوقع أن يولّد أكثر من 13 مليار دولار سنوياً في المملكة بحلول 2030، وأن يخلق عشرات الآلاف من الوظائف التقنية والإبداعية للشباب.

ويرى مراقبون أن امتلاك EA يمنح السعودية نافذة عالمية لتعزيز حضورها في الإعلام الرقمي، والبث الترفيهي، وصناعات السينما والذكاء الاصطناعي.

إذ يمكن تحويل العلامات التجارية التابعة لـEA إلى محتوى مرئي، ومسلسلات، وتجارب واقع افتراضي، وهو ما يتقاطع مع طموحات المملكة في تطوير قطاعات الترفيه والذكاء الاصطناعي والميتافيرس.

كما أن EA تمتلك خبرة ضخمة في تحليل البيانات وسلوك المستخدمين، وهو مجال حيوي في اقتصاد المعرفة الحديث.

 

أكبر صفقة "استحواذ" من نوعها في المجال الالكتروني

من الناحية المالية، تمثل الصفقة أكبر عملية Leveraged Buyout (استحواذ بالتمويل بالدَّين) في تاريخ التكنولوجيا.

فقد تم تمويل ما يقارب 20 مليار دولار عبر قروض مصرفية، وهو رقم غير مسبوق في هذا القطاع.

ورغم أن ذلك يعني أعباء مالية ضخمة على الكيان الجديد، إلا أن المستثمرين يعوّلون على الإيرادات المتكررة من الألعاب الرياضية وخدمات الاشتراك مثل EA Play وUltimate Team لتغطية التكاليف بسرعة.

الصفقة تُمكّن السعودية من توسيع محفظتها الاستثمارية في قطاعات النمو العالمي، إذ بات صندوق الاستثمارات العامة من أبرز الصناديق السيادية في العالم بقيمة تفوق 950 مليار دولار، واستثمارات متنوعة في السيارات الكهربائية، والذكاء الاصطناعي، والرياضة، والطاقة المتجددة.

 

ماذا يعني ذلك لصناعة الألعاب عالمياً؟

إذا اكتملت الصفقة في موعدها المتوقع عام 2026، فإنها ستعيد تشكيل خريطة صناعة الألعاب العالمية.

فامتلاك كيان سعودي لشركة بحجم EA يعني أن مركز الثقل في صناعة الترفيه التفاعلي قد بدأ يتحول تدريجياً من الغرب إلى الشرق الأوسط.

قد نشهد في السنوات القادمة:

  • زيادة استثمارات EA في المنطقة العربية، عبر مراكز تطوير أو شراكات مع مطورين محليين.
  • تحوّل الرياض إلى مركز قيادي عالمي في الرياضات الإلكترونية، مستفيدة من خبرة EA في تنظيم بطولات مثل FIFA eWorld Cup.
  • دمج التكنولوجيا السعودية في بنية الألعاب، خصوصاً في مجالات الذكاء الاصطناعي، واللغة العربية، والمحاكاة الواقعية.

كما أن وجود مستثمرين مثل Silver Lake وAffinity Partners يضمن للشركة خبرة مالية وتقنية عالمية،.

 

دور الرياض في مستقبل الاقتصاد الرقمي العالمي 

الصفقة تمثل بداية مرحلة جديدة في استراتيجية السعودية للهيمنة على الاقتصاد الرقمي العالمي.

فمن خلال EA، تمتلك المملكة بوابة مباشرة إلى مئات الملايين من المستخدمين حول العالم، وإلى منظومة إبداعية وتقنية تُعد من الأكثر تأثيراً على جيل الشباب.

يقول تقرير لوكالة بلومبرغ إن «الرياض تسعى لأن تكون مركز عالمي لصناعة الألعاب خلال العقد المقبل، وهذه الصفقة تضعها في موقع لا ينافسه سوى عدد محدود من القوى التكنولوجية الكبرى».

من المحتمل أن نرى في المستقبل القريب تعاون بين EA ومبادرات سعودية مثل نيوم والدرعية ومدينة الرياض الرقمية لإنتاج محتوى تفاعلي يرتبط بالهوية المحلية ويخاطب العالم بلغات متعددة.

 

تُعد صفقة استحواذ السعودية على EA Games إعلان واضح عن دخول المملكة إلى مضمار صناعة الترفيه العالمية كلاعب رئيسي، واستكمال لمسارها في التحول الاقتصادي والتكنولوجي الذي رسمته رؤية 2030.

وبينما يرى البعض في الصفقة مخاطرة مالية أو مغامرة ثقافية، يراها آخرون خطوة ذكية نحو المستقبل، حيث تتقاطع الألعاب الإلكترونية مع السينما، والذكاء الاصطناعي، والتعليم، والإعلام الرقمي.