معرض الرياض الدولي للكتاب
يعتبر معرض الرياض الدولي للكتاب من أهم الفعاليات الثقافية في المملكة العربية السعودية والعالم العربي، حيث أصبح في السنوات الأخيرة علامة بارزة على الخريطة الثقافية العالمية. فمنذ انطلاقه قبل عقود، شهد المعرض تطور ملحوظ جعله فضاء للحوار، ومختبر للأفكار، ومنصة للتبادل الثقافي بين الشعوب.
في هذا المقال، سنأخذ القارئ في جولة معرفية نتعرّف فيها على تاريخ المعرض، وأهدافه، ودوره في تعزيز صناعة النشر والقراءة، بالإضافة إلى تسليط الضوء على فعالياته المميزة وما يقدمه من فرص للناشرين والكتّاب والقراء على حد سواء.
لمحة تاريخية عن المعرض
تعود بدايات معرض الرياض الدولي للكتاب إلى سنوات مضت، حينما أُقيم أول مرة تحت إشراف وزارة التعليم العالي، بمشاركة جامعات سعودية مثل جامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ومع مرور الوقت، انتقلت مسؤولية تنظيمه إلى وزارة الثقافة والإعلام، ثم أصبح تحت إشراف هيئة الأدب والنشر والترجمة التابعة لوزارة الثقافة بعد إنشائها.
هذا التطور المؤسسي يعكس مدى الاهتمام المتزايد بالمعرض، ورغبة المملكة في أن يكون حدث ثقافي عالمي يتماشى مع رؤية 2030 التي تضع الثقافة والإبداع في قلب التنمية الوطنية.
موعد ومكان انعقاد المعرض
يقام المعرض سنوياً في العاصمة الرياض خلال شهري سبتمبر وأكتوبر، حيث يجذب مئات الآلاف من الزوار على مدار عشرة أيام متواصلة. في نسخة عام 2025، من المقرر أن يُقام المعرض خلال الفترة من 2 إلى 11 أكتوبر في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، وهو موقع يوفر مساحات حديثة ومهيأة لاستقبال هذا الحدث الثقافي الضخم.
تُفتح أبواب المعرض يومياً من الصباح حتى المساء، وهذا يتيح للزوار الاستفادة من الفعاليات المتنوعة، والتسوق من دور النشر، وحضور الجلسات الحوارية والورش الأدبية.
معرض عالمي بامتياز
تحول معرض الرياض للكتاب إلى ملتقى عالمي يشارك فيه آلاف الناشرين من مختلف أنحاء العالم. ففي نسخة عام 2024، شارك أكثر من 2000 دار نشر محلية ودولية قدّمت أحدث إصداراتها في الأدب، والفكر، والفنون، والعلوم، وكتب الأطفال، والكتب المترجمة.
كما يستضيف المعرض دولة ضيف شرف في كل دورة، يتم من خلالها تسليط الضوء على ثقافة تلك الدولة وآدابها وتراثها، عبر أجنحة خاصة وفعاليات مشتركة. هذا التقليد يعزز من دور المعرض كجسر للتواصل الحضاري وتبادل المعرفة بين الشعوب.
برنامج ثقافي متنوع
يتميز معرض الرياض الدولي للكتاب ببرنامج ثقافي ثري يتجاوز حدود عرض الكتب. ومن أبرز الفعاليات التي يتضمنها:
- الندوات والمحاضرات الفكرية: يشارك فيها مفكرون وباحثون وأدباء من مختلف الدول، لمناقشة قضايا ثقافية معاصرة.
- الأمسيات الشعرية والقصصية: حيث يجتمع عشاق الأدب مع أبرز الشعراء والروائيين في العالم العربي.
- ورش العمل التدريبية: تركز على مجالات الكتابة، والترجمة، النشر الرقمي، والتسويق الثقافي.
- أنشطة الأطفال: تشمل برامج تعليمية ترفيهية، تهدف إلى غرس حب القراءة منذ الصغر.
- توقيع الكتب: حيث يلتقي القراء مع مؤلفيهم المفضلين، ويقتنون نُسخ موقعة من إصداراتهم الجديدة.
هذا التنوع يجعل من المعرض تجربة ثقافية متكاملة تناسب جميع أفراد الأسرة، وليس فقط النخب الثقافية.
دعم صناعة النشر والقراءة
إحدى أبرز مساهمات المعرض تكمن في دعمه لصناعة النشر في المملكة والعالم العربي. فهو يُعد سوق ضخم يفتح المجال أمام دور النشر لعرض منتجاتها، ويمنح المؤلفين فرصة للوصول إلى جمهور واسع.
كما يلعب المعرض دور في تشجيع حركة الترجمة عبر إتاحة إصدارات بلغات مختلفة، وعقد اتفاقيات بين دور نشر عربية وأجنبية. إضافة إلى ذلك، تعمل هيئة الأدب والنشر والترجمة على تنظيم فعاليات خاصة لمناقشة قضايا حقوق الملكية الفكرية وحقوق المؤلف، وهو ما يسهم في تطوير البنية التحتية لصناعة النشر.
منصة للتبادل الثقافي والحوار الحضاري
لا تقتصر أهمية المعرض على الجانب التجاري أو الأدبي فقط، بل يتعداه إلى كونه منصة للحوار الحضاري. إذ يشهد المعرض لقاءات بين مثقفين من مختلف الخلفيات، لتعزيز قيم التسامح والانفتاح، وإتاحة مساحة للتعرف على تجارب ثقافية متنوعة.
وبهذا، يصبح المعرض انعكاس لرؤية السعودية التي تسعى إلى أن تكون الرياض عاصمة عالمية للثقافة، تحتضن التنوع وتدعم الابتكار.
أثر المعرض على المجتمع
للمعرض أثر عميق يتجاوز أيام انعقاده، إذ يسهم في:
- تعزيز عادة القراءة بين فئات المجتمع المختلفة.
- اكتشاف مواهب جديدة في مجالات الكتابة والتأليف.
- تعزيز الهوية الثقافية السعودية عبر إبراز نتاج الأدباء السعوديين.
- التأثير الاقتصادي من خلال تحريك سوق النشر والقطاع الثقافي والسياحي في الرياض.
يُجسّد معرض الرياض الدولي للكتاب صورة حية عن النهضة الثقافية التي تعيشها المملكة العربية السعودية. فهو حدث ثقافي شامل من المعرفة والفن والحوار الحضاري، ويضع الرياض في قلب المشهد الثقافي العالمي.
وبينما تستعد العاصمة لنسخة 2025، يتطلع القراء والناشرون من داخل المملكة وخارجها إلى لقاء جديد يعكس التزام السعودية بتعزيز الثقافة والإبداع، وترسيخ مكانتها كمركز حضاري عالمي.