أبرز التعديلات في قانون الأحوال الشخصية في المملكة العربية السعودية
يشكل نظام الأحوال الشخصية الجديد في المملكة العربية السعودية خطوة محورية نحو تعزيز استقرار الأسرة وحماية الحقوق الفردية، بما يتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية والتطورات القانونية الحديثة. جاء هذا النظام ليضع إطار واضح ينظم العلاقات الأسرية، ويضمن حقوق الزوجين والأبناء، ويعزز العدالة في القضايا الأسرية من خلال توحيد الأحكام والحد من التفاوت في الاجتهادات القضائية. في هذا السياق، نستعرض أبرز ملامح النظام الجديد، وأهم التعديلات التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، وتعزيز مكانة الأسرة في المجتمع السعودي.
أولًا: تطور حقوق الأسرة في الأنظمة السعودية
يعد نظام الحكم الأساسي في المملكة العربية السعودية، الصادر بالأمر الملكي رقم (أ/90) بتاريخ 27/8/1412هـ، المرجع الأساسي لتنظيم الحياة الأسرية وفق القيم الإسلامية. ومن أبرز مواده المتعلقة بالأسرة:
- المادة التاسعة: تؤكد أن الأسرة هي نواة المجتمع السعودي، وتُربَّى أفرادها على العقيدة الإسلامية والولاء والطاعة لله، ورسوله، وأولي الأمر، مع احترام النظام والقوانين.
- المادة العاشرة: تُلزم الدولة بتوثيق أواصر الأسرة، والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية، ورعاية أفرادها، وتوفير بيئة تضمن تنمية قدراتهم.
وفي عام 1439 هجري، منح وزير العدل الأم صلاحيات موسعة في حضانة أطفالها، إضافةً إلى استحداث إدارات لدعم المرأة، وتعزيز حقوقها القانونية. من بين القرارات المهمة:
- تنفيذ قضايا الحضانة والنفقة مباشرة في بلد الحضانة، مع إعفاء تنفيذ الأحكام من بعض الإجراءات الروتينية.
- إطلاق مشروع صندوق النفقة لضمان صرف المستحقات للمحضونين دون تأخير.
- إقرار المجلس الأعلى للقضاء بحق الأم في إثبات حضانة أبنائها تلقائياً في حال عدم وجود نزاع مع الأب.
- منح المرأة الحاضنة حق الولاية على المحضون في جميع الدوائر الحكومية باستثناء السفر، الذي يتطلب إذن القاضي.
نظام الأحوال الشخصية لدول مجلس التعاون الخليجي
يُعد هذا النظام أحد المشاريع المهمة لتقنين أحكام الشريعة الإسلامية، ويشمل 282 مادة تنظم قضايا الأسرة، الولاية، الوصاية، والميراث. أُقر في عام 1996 ميلادي كدليل استرشادي لدول المجلس لمدة أربع سنوات.
ثانياً: إنشاء محكمة الأحوال الشخصية
تختص محاكم الأحوال الشخصية بالنظر في القضايا المتعلقة بالأسرة، ومن أهم اختصاصاتها:
- إثبات الزواج، الطلاق، الخلع، الرجعة، الحضانة، النفقة، والزيارة.
- قضايا الميراث، تقسيم التركة، والوصايا.
- تعيين الأوصياء والأولياء والنظار والإذن لهم بالتصرفات التي تحتاج إلى موافقة المحكمة.
- توكيل الأخرس الذي لا يقرأ ولا يكتب.
- تزويج المرأة في حال عدم وجود ولي أو عند تعنت أوليائها.
- القضايا المتعلقة بالهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين.
ثالثاً: نظام الأحوال الشخصية الجديد
صدر نظام الأحوال الشخصية الجديد بموجب الأمر الملكي رقم (م/73) بتاريخ 6/8/1443هـ، ليكون أول نظام سعودي شامل ينظم الأحوال الشخصية للأسرة، ويهدف إلى:
- تعزيز استقرار الأسرة وصون حقوق الأفراد.
- الحد من التفاوت في الأحكام القضائية عبر تنظيم دقيق لكافة القضايا الأسرية.
- تحسين جودة الحياة والارتقاء بالخدمات القانونية المقدمة للأسرة.
- يساهم النظام في حماية حقوق المرأة، الطفل، و المحضونين، ويحد من السلطة التقديرية الواسعة للقضاة لضمان توحيد الأحكام.
رابعاً: أبرز التحديثات في نظام الأحوال الشخصية
- تحديد السن الأدنى للزواج بـ18 عام لكلا الجنسين.
- انتقال ولاية التزويج إلى المحكمة مباشرة في حال غياب الولي أو تعنته.
- التأكيد على حق الزوجة في النفقة بغض النظر عن وضعها المالي خلال أول سنتين من الزواج.
- حماية نسب الطفل واعتماد وسائل حديثة لإثباته، مع تضييق حالات نفي النسب.
- منح المرأة حق فسخ عقد الزواج بإرادتها المنفردة في حالات معينة.
- مراعاة مصلحة المحضون كأولوية في قرارات الحضانة.
- إلزام الزوج بدفع تعويض عادل للزوجة عند عدم توثيق عقود الزواج والطلاق.
- حماية حقوق الأولاد ومنع المساومة بها بين الزوجين عند الانفصال.
- ضمان حق المرأة في الميراث وعدم إسقاط حقها حتى لو لم تطالب به.
- حماية حقوق أفراد الأسرة ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم.
خامساً: هيكلة نظام الأحوال الشخصية
(الباب الأول) الزواج
- أحكام الخطبة والزواج.
- شروط عقد الزواج وحقوق الزوجين.
(الباب الثاني) آثار عقد الزواج
- النفقة.
- النسب.
(الباب الثالث) الفرقة بين الزوجين
- الطلاق، الخلع، وفسخ عقد الزواج.
(الباب الرابع) آثار الفرقة بين الزوجين
- العدة، الحضانة، والحقوق المترتبة على الانفصال.
(الباب الخامس) الوصاية والولاية
- تنظيم أوضاع القُصَّر والغائبين.
(الباب السادس) الوصية
- شروط وأحكام تنفيذ الوصايا.
(الباب السابع) التركة والإرث
- توزيع التركة، الميراث، والتخارج.
(الباب الثامن) الأحكام الختامية
سادساً: الحقوق العدلية للمرأة في الأحوال الشخصية
في الزواج
- تجريم الإجبار على الزواج وعضل المرأة، ومنحها حق الزواج عن طريق المحكمة.
- إلزام المأذون بسماع موافقة العروس لفظياً وتسليمها نسخة من عقد الزواج.
- عدم تنفيذ أحكام إجبار المرأة على العودة لبيت الزوجية بالقوة.
- اعتبار كره المرأة لزوجها سبباً مشروعاً لفسخ الزواج إذا خشيت عدم القدرة على أداء الحقوق الزوجية.
- إبطال الرجعة إذا لم يخبر الزوج زوجته أو وليها بها.
في الحضانة
- تمكين المرأة من حضانة أطفالها تلقائياً دون رفع دعوى في حال عدم وجود نزاع.
- تنفيذ أحكام الحضانة والنفقة فوراً دون الحاجة لإجراءات إضافية.
في النفقة
- منح المرأة الولاية على أبنائها في حالات الطلاق أو غياب الأب.
- أولوية النفقة على ديون الرجل لضمان حياة كريمة للأسرة.
- حق المرأة في معاش الضمان الاجتماعي إذا كان الأب غائب.
في الميراث
- ضمان نصيب المرأة من التركة، خصوصاً العقارات.
- عدم سقوط حقها في المطالبة بالميراث حتى لو لم تطالب به مسبقاً.
- اعتبارها من أهل القتيل في الميراث، وعدم استثنائها إلا بنص شرعي واضح.
يُعد نظام الأحوال الشخصية الجديد في السعودية خطوة نوعية في تعزيز حقوق الأسرة، وضمان استقرارها، وحماية المرأة والطفل. من خلال تنظيمه الدقيق، وتحديث مواده، يسهم في تحقيق العدالة الأسرية، وتقليل النزاعات، وتحسين جودة الحياة.