كيف تخطط السعودية لمكافحة التصحر؟
في ظل التغير المناخي الذي يواجهه عالمنا في العقدين الماضيين، تظهر مشكلة بيئية كبيرة وخاصة في المناطق الجافة والصحراوية مثل منطقة الشرق الأوسط وهي التصحّر، ولطالما عانت المملكة العربية السعودية بشكل خاص من هذه المشكلة البيئية، حيث فقدت العديد من الأراضي، لكن في السنوات الأخيرة بدأت المملكة بإيجاد حلول لهذه الظاهرة ووضعت خطة شاملة تماشياً مع رؤية 2023 التي تسعى لزيادة المساحات الخضراء في المملكة العربية السعودية.
في عام 2019 أسست المملكة العربية السعودية المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، وذلك بعد أن أدركت أن مكافحة ظاهرة التصحر تحتاج إلى إطار تنظيمي واضح، فكان إنشاء المركز الوطني كجهة مختصة بتنفيذ سياسات المملكة الوطنية وتنظيم الجهود، يعمل المركز بشكل رئيسي على زيادة المساحات الخضراء وتنمية الغطاء النباتي إضافةً إلى حماية المراعي والغابات، وذلك وفق دراسات وبرامج إعادة تأهيل بيئي.
ومن الناحية التشريعية والقانونية، أصدرت وزارة البيئة والمياه والزراعة لائحة تنفيذية بأساليب مكافحة التصحر وتنمية الغطاء النباتي عن طريق حماية الغابات ومنع الرعي الجائر وإعادة تأهيل المساحات التي تدهورت بسبب التصحر ، موظفةً تقنيات حديثة لجمع مياه الأمطار ومعالجتها، وفرض العقوبات على من يتسبب بأي ضرر بيئي قد يفاقم من المشكلة.
الخطة الوطنية الشاملة لمكافحة التصحر
أعلن المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر في أبريل 2025 عن خطته التي تهدف إلى وضع وتطوير سياسات إدارة الموارد الطبيعية والحد من الجفاف والتصحر، حيث تضمنت الخطة الوطنية:
- تقنيات الزراعة المستدامة
- الحصاد المائي
- توسيع الرقعة الخضراء
- التركيز على مشاركة المجتمع المحلي
- تعزيز الثقافة البيئية لدى المواطنين
إضافةً إلى تعزيز القدرات الوطنية في الكشف والرصد المبكر لحالات التصحر أو الجفاف قبل حدوثها، من حيث تحسين جودة إدارة الأراضي عن طريق تقنيات الاستشعار عن بعد وأنظمة معلومات جغرافية، وإدراج وحفظ البيانات في قاعدة بيانات خاصة، والعمل على دعم الجهود والبحوث العلمية في مجال البيئة ومكافحة التصحر.
المبادرات الاستراتيجية لمكافحة التصحر
أطلقت المملكة مبادرتين بيئيتين رائدتين على المستوى المحلي والإقليمي:
عملت المملكة العربية السعودية على إطلاق مبادرتين على المستوى المحلي والعالمي لمكافحة هذه الظاهرة، وهي:
على المستوى المحلي: مبادرة السعودية الخضراء
من أهم أهداف هذه المبادرة هو زراعة 10 مليار شجرة في أراضي المملكة العربية السعودية، إضافةً إلى تحويل 30% من الأراضي إلى محميات طبيعية وإعادة تأهيل 40 مليون مليون هكتار من الأراضي التي أصابها التصحر، وبهذا تكون المملكة قد وضعت حجر الأساس لمكافحة التصحر على أراضيها، حيث نرى بدأ التنفيذ الفعلي للمشاريع الزراعية الضخمة في الرياض والمنطقة الشمالية ومنطقة عسير.
على المستوى العالمي: مبادرة الشرق الأوسط الأخضر
بفضل شراكات وتعاونات المملكة الإقليمية وسعي المملكة لتكون مركز العالم في المجال البيئي، أطلقت المملكة العربية السعودية مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، التي تهدف إلى زراعة 40 مليار شجرة في المنطقة لتحسين جودة الهواء وخفض نسبة التآكل البيئي واستعادة التنوع البيولوجي في المنطقة، تعمل المبادرة على نشر ثقافة فرص العمل الخضراء وتناقل الخبرات بين دول المنطقة.
استضافة المملكة لمؤتمرات دولية وتعزيز التعاون العالمي
استضافت المملكة العربية السعودية مؤتمر الأطراف السادس عشر في ديسمبر 2024 ضمن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة ظاهرة التصحر، بدأ المؤتمر فعالياته في مدينة الرياض وتمثل فيه التزام المملكة بدورها القيادي والريادي في متابعة القضايا البيئية على المستوى المحلي والعالمي، تم في المؤتمر إطلاق مبادرة للتعاون الدولي وتمويل المشاريع لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي، إضافة إلى وضع معايير لقياس الأثر ومتابعة تنفيذ الخطط والمبادرات.
بلغت الميزانية التي وضعتها المملكة لدعم مبادرات مكافحة التصحر 2.15 مليار دولار، كما تعهدّت مجموعة تنسيق الدول العربية بقيمة 10 مليار دولار حتى عام 2030 وذلك لدعم مشاريع استعادة الأراضي المتدهورة في المنطقة العربية والدول المتضررة منها.
المشاريع المحلية في مكافحة ظاهرة التصحر
تعمل المملكة على مشروع البيضاء، وهو مشروع يهدف إلى تأهيل الأراضي الصحراوية في جنوب غرب المملكة العربية السعودية، ويعتمد المشروع على استخدام تقنيات بيئية متقدمة مثل الزراعة المتكاملة والحصاد المائي، وعملت المملكة على جعل مشروعها قابل للتنفيذ في أي مكان حول العالم من خلال توفير الخطط والطرق التنفيذ متاحة لأي دولة تطلبها.
كما أُطلقت حملات تطوعية وطنية لزراعة الأشجار في مختلف المناطق، بمشاركة آلاف المواطنين والطلاب والجهات الحكومية والخاصة، وعملت على تعزيز وعي المجتمع بأهمية الحفاظ على البيئة ومكافحة التصحر. وقد تم غرس ملايين الشتلات في غضون ثلاث سنوات، وبهذا أظهرت المملكة الالتزام المجتمعي الفعلي تجاه البيئة.
التعليم والتوعية البيئية
تسعى المملكة إلى إدراج مفاهيم الاستدامة ومكافحة التصحر في المناهج الدراسية، وتنظيم ورش عمل وحملات إعلامية تستهدف جميع شرائح المجتمع. كما تم إطلاق منصات إلكترونية تثقيفية، وتطبيقات رقمية تسهم في متابعة نمو الأشجار ورصد التغيرات في الغطاء النباتي.
تسير المملكة العربية السعودية بخطى واثقة نحو مستقبل أكثر خضرة واستدامة، مدفوعة برؤية 2030 ومبادرات طموحة تعكس التزامها بحماية بيئتها ومكافحة التصحر. إن هذه الجهود لا تعود النفع فقط على البيئة المحلية، وتمثل نموذج عالمياً يمكن أن تحتذي به دول أخرى في سعيها للتنمية المستدامة. ويبقى الأمل معقود على استمرارية هذه الجهود ومواصلة البناء عليها لتحقيق مستقبل مزدهر بيئياً.ما